كيف تصلى صلاة التوبة ؟ وكم ركعة هي ؟
وهل يمكن أن أصليها بعد صلاة العصر ؟
الحمد لله
فإنّ من رحمة الله تعالى بهذه الأمة أن فتح لها باب التوبة ،
فلا تنقطع حتى تبلغ الروح الحلقوم أو تطلع الشمس من مغربها .
ومن رحمته تعالى بهذه الأمة كذلك أن شرع لهم
عبادة من أفضل العبادات ،
يتوسل بها العبد المذنب إلى ربه ، رجاء قبول توبته ،
وهي "صلاة التوبة" وهذه بعض المسائل المتعلقة بهذه الصلاة .
1- مشروعية صلاة التوبة
أجمع أهل العلم على مشروعية صلاة التوبة ،
روى أبو داود عن أبي بَكْرٍ الصديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ :
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
( مَا مِنْ عَبْدٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ،
ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إِلَّا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ :
"وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا
لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ") .
صححه الألباني في صحيح أبي داود .
وروى أحمد عن أَبي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قال :
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
( مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعًا
(شك أحد الرواة) يُحْسِنُ فِيهِمَا الذِّكْرَ وَالْخُشُوعَ ،
ثُمَّ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ، غَفَرَ لَهُ )
قال محققو المسند : إسناده حسن . وذكره الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة"
2- سبب صلاة التوبة
سبب صلاة التوبة هو وقوع المسلمِ في معصية سواء
كانت كبيرة أو صغيرة ، فيجب عليه أن يتوب منها فوراً ،
ويندب له أن يصلي هاتين الركعتين،
فيعمل عند توبته عملاً صالحاً من أجل القربات وأفضلها ،
وهو هذه الصلاة ،
فيتوسل بها إلى الله تعالى رجاء أن تقبل توبته ،
وأن يغفر ذنبه .
3- وقـت صلاة التوبة
يستحب أداء هذه الصلاة عند عزم المسلم على التوبة من الذنب الذي اقترفه ، سواء كانت هذه التوبة بعد فعله للمعصية مباشرة ، أو متأخرة عنه ، فالواجب على المذنب المبادرة إلى التوبة ، لكن إن سوّف وأخّرها قبلت ،
لأن التوبة تقبل ما لم يحدث أحد الموانع الآتية :
1- إذا بلغت الروح الحلقوم ،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ )
حسنه الألباني في صحيح الترمذي
2- إذا طلعت الشمس من مغربها ،
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
( مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ )
رواه مسلم
وهذه الصلاة تشرع في جميع الأوقات بما في ذلك أوقات النهي
( مثل : بعد صلاة العصر )
لأنها من الصلوات التي لها سبب ،
فتشرع عند وجود سببها .
4- صفة صلاة التوبة
صلاة التوبة ركعتان، كما في حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه .
ويشرع للتائب أن يصليها منفرداً ،
لأنها من النوافل التي لا تشرع لها صلاة الجماعة ،
ويندب له بعدها أن يستغفر الله تعالى ،
لحديث أبي بكر رضي الله عنه .
ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يستحب تخصيص
هاتين الركعتين بقراءة معينة ، فيقرأ المصلي فيهما ما شاء .
ويستحب للتائب مع هذه الصلاة أن يجتهد في عمل الصالحات ،
لقول الله تعالى :
( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى )
طـه .
ومن أفضل الأعمال الصالحة التي يفعلها التائب
: الصدقة ،
فإن الصدقة من أعظم الأسباب التي تكفر الذنب ،
قال الله تعالى:
(إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ
فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ) .
وثبت عن كعب بن مالك رضي الله عنه أنه
قال لما تاب الله عليه:
يا رسول الله إنّ من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله،
قال رسول الله:
( أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك )،
قال: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر . متفق عليه
5- دعاء صلاة التوبة
وأما الدعاء الذي يُذكر فيها، فلا نعلم دعاء بلفظ معين يقال فيها،
والمشروع فيها الاستغفار للحديث الذي رواه الترمذي وحسنه،
وعند الاستغفار للذنب
يستحب الدعاء ب ( سيد الاستغفار )
اللهم انت ربى لا اله الا انت خلقتنى وانا عبدك وانا على عهدك و وعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي و أبوء بذنبى
فاغفر لي فانه لا يغفر الذنوب الا انت .
والخلاصة :
1- ثبوت هذه الصلاة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
2- أنها تشرع عند توبة المسلم من أي ذنب، سواء كان من الكبائر أم من الصغائر، وسواء كانت هذه التوبة بعد اقتراف المعصية مباشرة،
أم بعد مضي زمن.
3- أن هذه الصلاة تؤدى في جميع الأوقات، بما في ذلك أوقات النهي.
4- أنه يستحب للتائب مع هذه الصلاة فعل بعض القربات، كالصدقة وغيرها .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.