تعريف الصُّحْبَة
الصحبة في اللغة :
الملازمة والمرافقة والمعاشرة ، يقال :
صحبه يصحبه صحبة ، وصحابة بالفتح وبالكسر :
عاشره ورافقه ولازمه ، وفي حديث قيلة :
خرجت أبتغي الصحابة إلى رسول -
الله صلى الله عليه وسلم- ، هذا مطلق الصحبة لغة
الصَّاحِب :
المرافق ومالك الشيء و القائم على الشيء ،
ويطلق على من اعتنق مذهباً أو رأياً فيقال
أصحاب أبي حنيفة وأصحاب الشافعي
الصَّاحِبَة : الزوجة ،
قال تعالى :
( وأنَّهُ تَعَالى جَدُّ رَبِّنا ما اتَّخَذَ صَاحِبَةً ولا وَلداً )
الصَّحَابِيّ :
من لقي النبي -صلى الله عليه وسلم-
مؤناً به ومات على الإسلام ، وجمعها صحابة
ما تثبت به الصُّحْبَة
اختلف أهل العلم فيما تثبت به الصحبة ،
وفي مستحق اسم الصحبة ، قال بعضهم :
( إن الصحابي من لقي النبي -صلى الله عليه وسلم-
مؤمنا به ، ومات على الإسلام )
وقال ابن حجر العسقلاني هذا أصح ما وقفت عليه في ذلك )
فيدخل فيمن لقيه : من طالت مجالسته له ، ومن قصرت ،
ومن روى عنه ، ومن لم يرو عنه ، ومن غزا معه ،
ومن لم يغز معه ، ومن رآه رؤية
ولو من بعيد ، ومن لم يره لعارض كالعمى
ويخرج بقيد الإيمان : من لقيه كافرا وإن أسلم فيما بعد ،
إن لم يجتمع به مرة أخرى بعد الإيمان
كما يخرج بقيد الموت على الإيمان :
من ارتد عن الإسلام بعد صحبة
النبـي -صلى اللـه عليه وسلم-
ومات على الردة فلا يعد صحابيا
وهل يشترط التمييز عند الرؤية ؟
منهم من اشترط ذلك ومنهم من لم يشترط التمييز
وقال بعضهم : لا يستحق اسم الصحبة ,
ولا يعد في الصحابة إلا من أقام مع
النبي -صلى الله عليه وسلم- سنة فصاعدا ،
أو غزا معه غزوة فصاعدا ،
حكي هذا عن سعيد بن المسيب ، وقال ابن الصلاح :
هذا إن صح : طريقة الأصوليين
وقيل : يشترط في صحة الصحبة : طول الاجتماع والرواية عنه معا ، وقيل : يشترط أحدهما ، وقيل : يشترط الغزو معه ، أو مضي سنة على الاجتماع ، وقال أصحاب هذا القول : لأن لصحبة النبي صلى الله عليه وسلم شرفا عظيما لا ينال إلا باجتماع طويل يظهر فيه الخلق المطبوع عليه الشخص كالغزو المشتمل على السفر الذي هو قطعة من العذاب ، والسنة المشتملة على الفصول الأربعة التي يختلف فيها المزاج
طرق إثبات الصحبة
1 - منها : التواتر بأنه صحابي
2 - ثم الاستفاضة والشهرة القاصرة عن التواتر
3 - ثم بأن يروى عن أحد من الصحابة أن فلانا له صحبة ،
أو عن أحد التابعين بناء على قبول التزكية عن واحد
4 - ثم بأن يقول هو إذا كان ثابت العدالة والمعاصرة :
أنا صحابي أما الشرط الأول :
وهو العدالة فجزم به الآمدي وغيره ،
لأن قوله : أنا صحابي ، قبل ثبوت عدالته يلزم
من قبول قوله : إثبات عدالته ,
لأن الصحابة كلهم عدول فيصير بمنزلة قول القائل :
أنا عدلوذلك لا يقبل
وأما الشرط الثاني :
وهو المعاصرة فيعتبر بمضي مائة سنة وعشر سنين
من هجرة النبـي -صلى اللـه عليه وسلم-
لقوله -صلى اللـه عليه وسلم- في آخر عمره لأصحابه :
( أرأيتكم ليلتكم هذه ؟
فإن على رأس مائة سنة منها
لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد )
وزاد مسلم من حديث جابر :
( أن ذلك كان قبل موته -صلى الله عليه وسلم- بشهر )
عدالة من ثبتت صحبته
اتفق أهل السنة على أن جميع الصحابة عدول ، ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة وهذه الخصيصة للصحابة بأسرهم ، ولا يسأل عن عدالة أحد منهم ، بل ذلك أمر مفروغ منه ، لكونهم على الإطلاق معدلين بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم ،
واختياره لهم بنصوص القرآن
قال تعالى :
( كُنْتُمْ خَيْرَ أمَّةٍ أخْرِجَت للنّاس )
واتفق المفسرون على أن الآية واردة
في أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
قال تعالى :
( وَكَذلِك جَعَلنَاكُم أمَّةً وَسَطا لِتَكُونوا شُهَدَاء عَلى النّاسِ )
وقال تعالى :
( مُحَمّدٌ رَسُولُ اللّهِ والذين مَعْهُ أشِدّاءٌ على الكُفّارِ )
وفي نصوص السنة الشاهدة بذلك كثرة ، منها
حديث أبي سعيد المتفق على صحته :
أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال :
( لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم
أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه )
وقال -صلى الله عليه وسلم- :
( الله ، الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا بعدي ،
فمن أحبهم فبحبي أحبهم ،
ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ،
ومن آذاهم فقد أذاني ،
ومن أذاني فقد أذى الله ،
ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه )
قال ابن الصلاح :
( ثم إن الأمة مجمعة على تعديل جميع الصحابة ، ومن لابس الفتن منهم فكذلك ، بإجماع العلماء الذين يعتد بهم في الإجماع ، إحسانا للظن بهم ، ونظرا إلى ما تمهد لهم من المآثر ، وكأن الله سبحانه وتعالى أتاح الإجماع على ذلك لكونهم نقلة الشريعة ، وجميع ما ذكرنا يقتضي القطع بتعديلهم ، ولا يحتاجون مع تعديل الله ورسوله لهم إلى تعديل أحد من الناس
ونقل ابن حجر عن الخطيب في
" الكفاية " أنه لو لم يرد من الله ورسوله فيهم شيء مما ذكرناه لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة ، والجهاد ، ونصرة الإسلام ، وبذل المهج والأموال ، وقتل الآباء ، والأبناء ، والمناصحة في الدين ، وقوة الإيمان واليقين : القطع بتعديلهم ، والاعتقاد بنزاهتهم ، وأنهم كافة أفضل من جميع الخالفين بعدهم والمعدلين الذين يجيئون من بعدهم
ثم قال :
( هذا مذهب كافة العلماء ، ومن يعتمد قوله ،
وروى بسنده إلى أبي زرعة الرازي قال :
( إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاعلم أنه زنديق )ذلك أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- حق ، والقرآن حق ، وما جاء به حق ، وإنما أدى إلينا ذلك كله الصحابة ، وهؤلاء يريدون أن يجرحوا شهودنا ، ليبطلوا الكتاب والسنة ، والجرح بهم أولى ، وهم زنادقة )
إنكار صحبة من ثبتت صحبته بنص القرآن
اتفق الفقهاء على تكفير من أنكر صحبة
أبي بكر -رضي الله عنه- لرسول الله -
صلى الله عليه وسلم- ، لما فيه من تكذيب قوله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم :
( إذْ يَقُول لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إنّ اللّهَ مَعَنَا )
واختلفوا في تكفير من أنكر صحبة غيره من الخلفاء الراشدين ، كعمر ، وعثمان ، وعلي -رضي الله عنهم-فنص الشافعية على أن من أنكر صحبة سائر الصحابة غير أبي بكر لا يكفر بهذا الإنكار ، وهو مفهوم مذهب المالكية ، وهو مقتضى قول الحنفية ، وقال الحنابلة : يكفر لتكذيبه النبي -صلى الله عليه وسلم- ولأنه يعرفها العام والخاص وانعقد الإجماع على ذلك فنافي صحبة أحدهم أو كلهم مكذب للنبي -صلى الله عليه وسلم-
سب الصحابة
من سب الصحابة أو واحدا منهم ، فإن نسب إليهم ما لا يقدح في عدالتهم أو في دينهم بأن يصف بعضهم ببخل أو جبن أو قلة علم أو عدم الزهد ونحو ذلك ، فلا يكفر باتفاق الفقهاء ، ولكنه يستحق التأديب
أما إن رماهم بما يقدح في دينهم أو عدالتهم كقذفهم : فقد اتفق الفقهاء على تكفير من قذف الصديقة بنت الصديق عائشة -رضي الله عنهما- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- بما برأها الله منه ، لأنه مكذب لنص القرآن
أما بقية الصحابة فقد اختلفوا في تكفير من سبهم ، فقال الجمهور : لا يكفر بسب أحد الصحابة ، ولو عائشة بغير ما برأها الله منه ويكفر بتكفير جميع الصحابة ، أو القول بأن الصحابة ارتدوا جميعا بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو أنهم فسقوا ، لأن ذلك تكذيب لما نص عليه القرآن في غير موضع من الرضا عنهم ، والثناء عليهم ، وأن مضمون هذه المقالة : أن نقلة الكتاب والسنة كفار أو فسقة ، وأن هذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت ، وخيرها القرن الأول كان عامتهم كفارا أو فساقا ، ومضمون هذا : أن هذه الأمة شر الأمم ، وأن سابقيها هم أشرارها ، وكفر من يقول هذا مما علم من الدين بالضرورة
وجاء في فتاوى قاضي خان : يجب إكفار من كفر عثمان ، أو عليا ، أو طلحة ، أو عائشة ، وكذا من يسب الشيخين أو يلعنهما