بسم الله الرحمن الرحيم
لم يكرم دين أو قانون أو أيّ تنظيم كما كرّم الإسلام المرأة،
وكان ذلك بربطه صلاح المجتمع بصلاحها
وفساده بفسادها، ومن مظاهر هذا التّكريم
أنّه لم يعتبر الإسلام المرأة مكروهة،
أو مهانة، كما كانت في الجاهلية.
قرّر الإسلام حقيقة تزيل هذا الهوان عنها،
وهي أنّ المرأة مثل الرجل لها ما له من الحقوق،
وعليها من الواجبات ما يلائم تكوينها وفطرتها.
ومنه أنْ سَوّاها بالرّجل في أهلية الوجوب والأداء،
وأثبت لها حقّها في التصرّف ومباشرة جميع الحقوق
كحق البيع وحقّ الشّراء وحقّ التملّك، وغيرها.
وأخبر الله تعالى في القرآن بأنّ الله خلقنا
من ذكر وأنثى، وجعل ميزان التّفاضل العمل الصّالح والتّقوى
فقال عزّ من قائل:
“يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى
وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ
عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ”
الحجرات13.
وعن أبي سعيد الخدري:
قالت النّساء للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
“غلبنا عليك الرّجال، فاجعل لنا يومًا من نفسك،
فوعدهن يومًا لقيهن فيه، فوعظهن وأمرهن،
فكان ممّا قال لهنّ:
ما منكنّ امرأة تُقدم ثلاثة من ولدها
إلاّ كان لها حجابًا من النّار، فقالت امرأة:
واثنين؟ فقال: واثنين”
أخرجه البخاري.
ومن مظاهر تكريم الله للمرأة أنّها ذكرت بجانب الرّجل،
قال الله تعالى:
“إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ
وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ
وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ
وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ
وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ
وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ
أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا”
الأحزاب35.
وقال تعالى:
“وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ
أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ
وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا *
وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ
وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا”
الإسراء23-24.
لقد قرن عبادته بالبرَّ بالوالدين،
وهذا يدل على أهمية إكرام الأم والأب،
ونهى الأولاد أن يقولوا للوالدين قولاً سيِّئًا،
حتّى لو بالتأفف الّذي هو أدنى مراتب القول السيّئ،
ولا يجوز للأولاد أن ينهروهما، أو أن يصدر
منهم كلام قبيح في حقّهما،
بل على الأولاد أن يخاطبوا الوالدين بالرّفق واللين،
والقول الحسن، ولا سيما الأم.
جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال:
يا رسول الله، مَن أحقُّ النّاس بحُسن صحابتي؟ قال:
“أمّك” قال: ثمّ مَن؟ قال: “أمّك” قال:
ثمّ مَن؟ قال: “أمّك” قال: ثمّ مَن؟ قال: “أبوك”
هذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
يعلن ذلك في أكبر اجتماع،
وذلك حينما خطب النّاس في حجّة الوداع،
وفي عرفات،
فكان ممّا قاله صلّى الله عليه وسلّم في خطبته:
“فاتّقوا الله في النّساء،
فإنّكم أخذتموهن بأمان الله،
واستحللتُم فروجهن بكلمة الله، ولكُم عليهنّ
ألاّ يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه،
فإن فعلن ذلك، ولهنّ عليكم رزقهُن وكسوتهن بالمعروف.
وقد تركتُ فيكم ما – لَن تَضِلُّوا بعده –
إنْ اعتصمتم به: كتاب الله،
وأنتم تُسألون عنّي، فما أنتم قائلون؟
قالوا: نشهد أنّك قد بلّغتَ وأدَّيتَ ونصحتَ.
فقال: بأصبعه السّبابة يرفعها إلى السّماء،
وينكتها (يميلها) إلى النّاس:
اللّهمّ اشهد (ثلاث مرّات)”
أخرج الخطبة مسلم عن جابر
ومنحها الإسلام حقوقها الاجتماعية،
وأعلن وجوب مشاركة المرأة للرجل في بناء المجتمع،
فقرّر لها حقّ ولاية الأعمال الّتي تأمر فيها
بالمعروف وتنهى عن المنكر...
وحقّها في تولّي المناصب أيًّا كانت
ما دامت تقيم فيها حدود الله،
“وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ
يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ
وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ
وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ
إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ”
التوبة71.
كما بيّن الإسلام أنّ الزّواج يقوم على أساس
من المحبّة والرّحمة بقوله تعالى:
“وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا
إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ
فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ”
الرُّوم21.
لذلك فقد أعطى الإسلام الفتاة حقّ اختيار الزّوج -بِكرًا أو ثيِّبًا–
فقال عليه السّلام:
“لا تُنكَح الأيم حتّى تستأمر،
ولا تنكح البكر حتّى تستأذن، قالوا يا رسول الله:
وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت”،
وعلى الآباء وولاة أمورهن أن يستمعوا إلى رأي فتياتهم
وبناتهم خصوصًا عندما تكون الواحدة منهم متديّنة
ورزينة العقل وتدرك مصلحتها طبقًا للشّريعة الإسلامية
وجعل الإسلام لها وليمة يوم عرسها،
وأكرمها بمسؤولية الرّجل عنها، ورعايته لها “
ما أكرمهُنّ إلاّ كريم وما أهانهن إلاّ لئيم”.
وقد بيَّن القرآن الكريم،
كما بيّنت السنّة المطهّرة من الأحكام والآداب،
ما يقضي بأنّ النّساء والرّجاء سواء في العمل والجزاء،
حيث إنّ جملة العقائد والعبادات
والأخلاق والأحكام الّتي شرعها الله للإنسان،
يستوي في التّكليف بها والجزاء عليها،
الرّجال والنّساء.
المصدر
الجزائر: د. عبد الحق حميش
كلية الدراسات الإسلامية / قطر