أبو ذر الغفاري صحابي جليل رضي الله عنه وعن صحابة رسول الله
جميعاً، عرف بمجاهرته بالحق وصدقه وهو الأمر الذي عرضه لكثير من الأذى من قبل
المشركين، كما كان شجاعاً مقداماً، ومن السابقين للإسلام، وكان أحد الرجال الذين
أحبهم رسول الله "صلى الله عليه وسلم".
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
قال عنه رسول الله "صلى الله عليه
وسلم" رحم الله أبا ذر يمشي وحده ويموت وحده ويبعث يوم القيامة وحده.
النشأة
هو أبو ذر، جندب بن جنادة الغفاري، ولد بقبيلة
غفار وهي إحدى القبائل العربية المُضريََّة التي اشتهرت بالإغارة على القوافل وقطع
الطرق، وكانت مساكن القبيلة على طريق القوافل التجارية بين مكة والشام، والدته هي
رملة بنت الوقيعة من غفار أيضاً.
قبل أن يعلن أبو ذر الغفاري إسلامه كان
متجهاً بقلبه لله فكان معتقداً بوجود الإله الواحد، رافضاً عبادة الأصنام، وعرف أبو
ذر بصدقه وشجاعته، قال عنه الرسول الكريم "صلى الله عليه وسلم" ما أظلت الخضراء ولا
أقلت الغبراء أصدق من أبي ذر".
إسلامه
أسلم
أبو ذر بمكة وكان من أوائل الناس الذين دخلوا إلى الإسلام، وروى قصة إسلامه في حديث
رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه قال:
قال أبو ذر كنت رجلا من غفار
فبلغنا أن رجلاً قد خرج بمكة يزعم أنه نبي، فقلت لأخي انطلق إلى هذا الرجل كلمه
واتني بخبره، فانطلق فلقيه ثم رجع فقلت: ما عندك، فقال: والله لقد رأيت رجلا يأمر
بالخير وينهى عن الشر، فقلت له: لم تشفني من الخبر، فأخذت جرابا وعصا ثم أقبلت إلى
مكة فجعلت لا أعرفه وأكره أن أسأل عنه وأشرب من ماء زمزم وأكون في المسجد، قال: فمر
بي علي فقال: كأن الرجل غريب قال: قلت: نعم، قال: فانطلق إلى المنزل قال فانطلقت
معه لا يسألني عن شيء ولا أخبره، فلما أصبحت غدوت إلى المسجد لأسأل عنه، وليس أحد
يخبرني عنه بشيء.
قال فمر بي علي فقال: أما آن للرجل أن يعرف منزله بعد.
قال: قلت لا
قال: انطلق معي
قال: فقال ما أمرك وما أقدمك
هذه البلدة ؟
قال: قلت له إن كتمت علي أخبرتك.
قال: فإني أفعل، قال:
قلت له بلغنا أنه قد خرج ها هنا رجل يزعم أنه نبي فأرسلت أخي ليكلمه فرجع ولم يشفني
من الخبر فأردت أن ألقاه.
فقال له: أما إنك قد رشدت هذا وجهي إليه فاتبعني
ادخل حيث أدخل فإني إن رأيت أحدا أخافه عليك قمت إلى الحائط كأني أصلح نعلي وامض
أنت، فمضى ومضيت معه حتى دخل ودخلت معه على النبي "صلى الله عليه وسلم" فقلت له:
اعرض علي الإسلام فعرضه فأسلمت مكاني، فقال لي يا أبا ذر اكتم هذا الأمر وارجع إلى
بلدك فإذا بلغك ظهورنا فأقبل، فقلت والذي بعثك بالحق لأصرخن بها بين أظهرهم فجاء
إلى المسجد وقريش فيه فقال: يا معشر قريش إني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن
محمدا عبده ورسوله، فقالوا: قوموا إلى هذا الصابئ فقاموا فضربت لأموت، فأدركني
العباس بن عبد المطلب فأكب علي ثم أقبل عليهم فقال: ويلكم تقتلون رجلا من غفار
ومتجركم وممركم على غفار فأقلعوا عني، فلما أن أصبحت الغد رجعت فقلت مثل ما قلت
بالأمس، فقالوا قوموا إلى هذا الصابئ فصنع بي مثل ما صنع بالأمس وأدركني العباس
فأكب علي وقال مثل مقالته بالأمس قال فكان هذا أول إسلام أبي ذر رحمه الله.
نرى من خلال هذا الموقف الذي أعلن فيه أبو ذر عن إسلامه الكثير من الشجاعة
فأحتمل الضرب الذي تعرض له من المشركين، ولم يتردد أن يكرره ثانية ويتعرض للضرب مرة
أخرى، من أجل المجاهرة بالحق، وإثبات تمسكه بدينه وإسلامه.
رجع أبو ذر إلى
قومه فدعاهم إلى الإسلام، فأسلم على يديه نصف قبيلة غفار ونصف قبيلة أسلم، وعندما
هاجر الرسول "صلى الله عليه وسلم" إلى المدينة اقبل عليه أبو ذر مع من أسلم من
قبيلتي غفار واسلم ففرح به النبي وقال: غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله
{مسلم}، كما قال لأبي ذر " ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق ولا
أوفى من أبي ذر" { الترمذي وابن ماجة}،
ويقصد بالخضراء السماء أما الغبراء فهي الآرض
انقطع أبو ذر إلى خدمة وصحبة رسول الله، فنعم بصحبة الرسول الكريم
"صلى الله عليه وسلم" في المدينة فأخذ ينهل من تعاليم الإسلام وآدابه حتى وفاة
الرسول، فأنتقل إلى بادية الشام وأقام فيها طوال فترة خلافة كل من أبي بكر وعمر رضي
الله عنهما.
موقف من حياته
حفلت حياة أبى ذر
بالعديد من المواقف الهامة من هذه المواقف ما ذكره عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
قال: عندما سار رسول الله "صلى الله عليه وسلم" إلى تبوك، جعل لا يزال يتخلف الرجل
فيقولون يا رسول الله تخلف فلان فيقول دعوه إن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم، وإن يك
غير ذلك فقد أراحكم الله منه، حتى قيل يا رسول الله تخلف أبو ذر وأبطأ به بعيره،
فقال رسول الله "صلى الله عليه وسلم": دعوه إن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم وإن يك
غير ذلك فقد أراحكم الله منه، فتلوم أبو ذر رضي الله عنه على بعيره فأبطأ عليه فلما
أبطأ عليه أخذ متاعه فجعله على ظهره، فخرج يتبع رسول الله "صلى الله عليه وسلم"
ماشيا ونزل رسول الله "صلى الله عليه وسلم" في بعض منازله، ونظر ناظر من المسلمين
فقال: يا رسول الله هذا رجل يمشي على الطريق فقال رسول الله "صلى الله عليه وسلم"
كن أبا ذر، فلما تأمله القوم قالوا يا رسول الله هو والله أبو ذر، فقال رسول الله
"صلى الله عليه وسلم" رحم الله أبا ذر يمشي وحده ويموت وحده ويبعث
وحده.
أبو ذر الزاهد في الدنيا
عرف أبو ذر
بزهده في الدنيا وتفضيله الفقراء على نفسه، وأثناء خلافة عثمان بن عفان رضي الله
عنه رأى أبو ذر وجود تفاوت بين الأغنياء والفقراء فهؤلاء مترفون ومنعمون والآخرون
معدمون ومحتاجون، فأخذ على عاتقه مهمة دعوة الناس للزهد، وحث الأغنياء على مواساة
الفقراء والتنازل لهم عما زاد عن حاجتهم مستعيناً بالآيات القرآنية والأحاديث
النبوية، وأكثر أبو ذر في ذلك، الأمر الذي أغضب الأغنياء فقاموا بالشكوى لمعاوية
والذي أبلغ عثمان بذلك فقام الأخير باستدعاء أبى ذر الذي قام بتفسير فعله أن
الأغنياء تزداد أموالهم عن حاجتهم بينما الفقراء معدمون، فأجابه عثمان أنه لا
يستطيع أن يجبر الناس على الزهد خاصة وأنهم يدفعوا أموال الزكاة المفروضة عليهم،
ولكن كان أبو ذر يرى أن أموال الزكاة
وحدها لا تكفي طالما انه لا يزال هناك فقراء
عندما وجده عثمان مصراً على موقفه أمره بالانتقال إلى الربذة - إحدى
القرى الصغيرة بالمدينة - فأقام بها زاهداً في الدنيا
وما فيها، وظل بها حتى وفاته
صفاته
كان أبو ذر يمتاز بالعديد من
الصفات فكان صادقاً، غزير العلم، شجاعاً لا يخاف في الحق لومة لائم، كما كان
متواضعاً يلبس ثوباً كثوب خادمه، ويأكل مما يأكل، قيل له ذات مرة يا أبا ذر لو أخذت
ثوبك والثوب الذي على عبدك وجعلتهما ثوبًا واحدًا لك، وكسوت عبدك ثوبًا آخر أقل منه
جودة وقيمة، ما لامك أحد على ذلك، فأنت سيده، وهو عبد عندك، فقال أبو ذر: إني كنت
ساببت -شتمت- بلالاً، وعيرته بأمه، فقلت له: يا ابن السوداء، فشكاني إلى رسول الله،
فقال لي النبي "يا أبا ذر، أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية"، فوضعت رأسي على
الأرض، وقلت لبلال: ضع قدمك على رقبتي حتى يغفر الله لي، فقال لي بلال: إني سامحتك
غفر الله لك، وقال " إخوانكم خولكم -عبيدكم-، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه
تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم
فأعينوهم" {البخاري}.
ومن زهد أبى ذر في الدنيا أنه كان يؤمن بعدم كنز
المال، وعدم الأخذ من الطعام والملابس إلا ما يكفي فقط، وقال الرسول الكريم في ذلك
" أبو ذر يمشي في الأرض بزهد عيسى بن مريم عليه السلام" { الترمذي}.
الوفاة
أقام أبو ذر في الربذة هو وزوجته وغلامه حتى مرض،
وأخذت زوجته تبكي عليه وعندما سألها عن السبب أجابت: ومالي لا أبكيك وأنت تموت
بصحراء من الأرض وليس عندي ثوب أكفنك فيه، ولا أستطيع وحدي القيام بجهازك، فرد
عليها قائلاً: إذا مت فغسلاني وكفناني وضعاني على الطريق، فأول ركب يمرون بكما
فقولا هذا أبو ذر، فلما مات فعلا ما أمرهما به، فمر بهم عبد الله بن مسعود مع جماعة
من أهل الكوفة فقال: ما هذا؟ قيل: جنازة أبي ذر، فبكى ابن مسعود، وقال: صدق رسول
الله " صلى الله عليه وسلم" "يرحم الله أبا ذر، يمشى وحده، ويموت وحده، ويبعث
وحده"، فصلى عليه، ودفنه بنفسه" {ابن سعد}، وقيل أن وفاته كانت عام 32هـ .