الكتاب : أحكام صلاة المريض وطهارته
المؤلف : عبد العزيز بن عبد الله بن باز
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد للّه رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ؛ نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد . .
فهذه كلمة (1) مختصرة تتعلق ببعض أحكام طهارة المريض وصلاته .
لقد شرع اللّه سبحانه وتعالى الطهارة لكل صلاة ، فإن رفع الحدث وإزالة النجاسة - سواء من البدن أو الثوب أو المكان المصلىَّ فيه - شرطان من شروط الصلاة . فإذا أراد المسلم الصلاة وجب عليه أن يتوضأ الوضوء المعروف من الحدث الأصغر أو يغتسل إن كان حدثه أكبر . ولا بد قبل الوضوء من الاستنجاء بالماء أو الاستجمار بالحجارة في حق من بال أو أتى الغائط لتتم الطهارة والنظافة .
وفيما يلي بيان لبعض الأحكام المتعلقة بذلك :
فالاستنجاء بالماء واجب لكل خارج من السبيلين كالبول والغائط . وليس على من نام أو خرجت منه ريح - استنجاء ، إنما عليه الوضوء ؛ لأن الاستنجاء إنما شرع لإزالة النجاسة ، ولا نجاسة هاهنا .
(1) سبق نشر هذه الكلمة في مطوية من قبل الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد عام 1414 هـ .
والاستجمار يكون بالحجارة أو ما يقوم مقامها ، ولا بد فيه من ثلاثة أحجار طاهرة ،
لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
« من استجمر فليوتر »
ولقوله صلى الله عليه وسلم أيضاً :
« إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه
بثلاثة أحجار فإنها تجزئ عنه » - رواه أبو داود -
ولنهيه صلى الله عليه وسلم عن الاستجمار
بأقل من ثلاثة أحجار ، رواه مسلم .
ولا يجوز الاستجمار بالرَّوث والعظام والطعام ؛ وكل ما له حُرمة . والأفضل أن يستجمر الإنسان بالحجارة وما أشبهها كالمناديل واللِّبن ونحو ذلك ، ثم يُتبعها الماء ؛ لأن الحجارة تزيل عين النجاسة ، والماء يطهِّر المحل ، فيكون أبلغ . والإنسان مخير بين الاستنجاء بالماء أو الاستجمار بالحجارة وما أشبهها .
« عن أنس رضي اللّه عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل الخلاء فأحمل أنا وغلام نحوي إداوةً من ماء وعنزة فيستنجي بالماء » - متفق عليه - .
« وعن عائشة رضي اللّه عنها أنها قالت لجماعة من النساء : مرن أزواجكن أن يستطيبوا بالماء فإني أستحييهم ، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعله » .
- قال الترمذي هذا حديث صحيح - .
وإن أراد الاقتصار على أحدهما فالماء أفضل ؛ لأنه يطهر المحل ويزيل العين والأثر وهو أبلغ في التنظيف ، وإن اقتصر على الحجر أجزأه ثلاثة أحجار إذا نَقَى بهن المحل ، فإن لم تكف زاد رابعاً وخامساً حتى يُنَقي المحل ، والأفضل أن يقطع على وتر
لقول النبي صلى الله عليه وسلم : « من استجمر فليوتر » .
ولا يجوز الاستجمار باليد اليمنى ؛ لقول سلمان في حديثه : « نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستنجي أحدنا بيمينه » ،
ولقوله صلى الله عليه وسلم :
« لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول
ولا يتمسح من الخلاء بيمينه » .
وإن كان أقطع اليسرى أو بها كسر أو مرض
ونحوهما استجمر بيمينه للحاجة ولا حرج في ذلك .
وبما أن الشريعة الإسلامية مبنيَّة على اليسر والسهولة ؛ فقد خفف الله سبحانه وتعالى عن أهل الأعذار عباداتهم بحسب أعذارهم ، ليتمكنوا من عبادته تعالى بدون حرج ولا مشقة ،
قال تعالى : { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } [color=#cc6600]وقال : { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } : 185 [color=#cc6600]وقال : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [ التغابن : 16 ] .
وقال عليه الصلاة والسلام :
« إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم » ،
وقال : « إن الدين يسر » .
فالمريض إذا لم يستطع التطهر بالماء - بأن يتوضأ من الحدث الأصغر أو يغتسل من الحدث الأكبر لعجزه أو لخوفه من زيادة المرض أو تأخر برئه - فإنه يتيمم ، وهو : أن يضرب بيديه على التراب الطاهر ضربة واحدة ، فيمسح وجهه بباطن أصابعه ، وكَفَّيْه براحتيه ،
لقوله تعالى :
{ وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا
بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ } [ المائدة : 6 ]
والعاجز عن استعمال الماء حُكمه حكم من لم يجد الماء . « ولقوله صلى الله عليه وسلم لعمار بن ياسر :
إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة ، ثم مسح بهما وجهه وكفَّيه . »
ولا يجوز التيمم إلا بتراب طاهر له غبار . ولا يصح التيمم إلا بنيّة ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم :
« إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى . »
وللمريض عدة حالات :
1 - إن كان مرضه يسيراً لا يخاف من استعمال الماء معه تَلَفاً ولا مرضاً مخوِّفاً ولا إبطاء برءٍ ولا زيادة ألٍم ولا شيئاً فاحشاً ، وذلك كصداع ووجع ضرس ونحوها ، أو من يمكنه استعمال الماء الدافئ ولا ضرر عليه - فهذا لا يجوز له التيمم ؛ لأن إباحته لنفي الضرر ولا ضرر عليه ، ولأنه واجد للماء فوجب عليه استعماله .
2 - وإن كان به مرض يخاف معه تلف النفس أو تلف عضو ، أو حدوث مرض يخاف معه تلف النفس أو تلف عضو أو فوات منفعة ، فهذا يجوز له التيمم ،
لقوله تعالى : { وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا }
[ النساء : 29 ] .
3 - وإن كان به مرض لا يقدر معه على الحركة ولا يجد من يناوله الماء جاز له التيمم .
4 - من به جروح أو قروح أو كسر أو مرض يضره من استعمال الماء فأجْنَبَ جاز له التيمم للأدلة السابقة ، وإن أمكنه غَسْلَ الصحيح من جسده وجب عليه ذلك ويتيمم للباقي .
5 - مريض في محل لم يجد ماءًا ولا تراباً ولا من يحضر له الموجود منهما صلى على حسب حاله وليس له تأجيل الصلاة ،
لقول الله سبحانه : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [ التغابن : 16 ]
6 - المريض المصاب بسلس البول ولم يبرأ بمعالجته عليه أن يتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها ، ويغسل ما يصيب بدنه ، ويجعل للصلاة ثوبَاَ طاهراً إن لم يشق عليه ذلك ؛ وإلا عُفي عنه ؛
لقوله تعالى : { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ }
[ الحج : 78 ]
وقوله : { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ }
[ البقرة : 185 ] ،
وقوله صلى الله عليه وسلم :
« إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم »
ويحتاط لنفسه احتياطاً يمنع انتشار البول في ثوبه
أو جسمه أو مكان صلاته .
ويبطل التيمم بكل ما يبطل الوضوء ، وبالقدرة على استعمال الماء ، أو وجوده إن كان معدوماً . . والله أعلم .
كيفية صلاة المريض :
أجمع أهل العلم على أن من لا يستطيع القيام ، له أن يصلي جالساً ، فإن عجز عن الصلاة جالساً ، فإنه يصلي على جنبه مستقبل القبلة بوجهه ، والمستحب أن يكون على جنبه الأيمن ، فإن عجز عن الصلاة على جنبه صلى مستلقياً
لقوله صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين :
« صَلِّ قائماً ، فإن لم تستطع فقاعداً ، فإن لم تستطع فعلى جنب » رواه البخاري - وزاد النسائي : « فإن لم تستطع فمستلقياً »
ومن قدر على القيام وعجز عن الركوع أو السجود لم يسقط عنه القيام ، بل يصلي قائماً فيومئ بالركوع ثم يجلس ويومئ بالسجود ،
لقوله تعالى : { وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ } [ البقرة : 238 ] ،
ولقوله صلى الله عليه وسلم : « صَلِّ قائماً »
ولعموم قوله تعالى : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [ التغابن : 16 ] .
وإن كان بعينه مرض فقال ثقات من علماء الطب : إن صليت مستلقياً أمكن مداواتك وإلا فلا - فله أن يصلي مستلقياً .
ومن عجز عن الركوع والسجود أومأ بهما ويجعل السجود أخفض من الركوع ، وإن عجز عن السجود وحده ركع وأومأ بالسجود ، وإن لم يمكنه أن يحني ظهره حنى رَقَبَتَهُ ، وإن كان ظهره متقوساً فصار كأنه راكع فمتى أراد الركوع زاد في انحنائه قليلاً ، ويقرب وجهه إلى الأرض في السجود أكثرَ ما أمكنه ذلك . ومن لم يقدر على الإيماء برأسه كفاه النية والقول . ولا تسقط عنه الصلاة مادام عقله ثابتاً بأي حال من الأحوال للأدلة السابقة .
ومتى قدر المريض في أثناء الصلاة على ما كان عاجزاً عنه من قيام أو قعود أو ركوع أو سجود أو إيماء انتقل إليه وبنى على ما مضى من صلاته . وإذا نام المريض أو غيره عن صلاة أو نسيها وجب عليه أن يصليها حال استيقاظه من النوم أو حال ذكره لها ، ولا يجوز له تركها إلى دخول وَقْت مثْلها ليصليها فيه ؛
لقوله عليه الصلاة والسلام :
« من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها
متى ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك . »
وتلا قوله : { وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي } [ طه : 14 ]
ولا يجوز ترك الصلاة بأي حال من الأحوال ، بل يجب على المكلف أن يحرص على الصلاة أيام مرضه أكثر من حرصه عليها أيام صحته . فلا يجوز له ترك المفروضة حتى يفوت وقتها ولو كان مريضاً ما دام عقله ثابتاً ، بل عليه أن يؤديها في وقتها حسب استطاعته . فإذا تركها عامداً وهو عاقل مكلف يقوى على أدائها ولو إيماءً فهو آثم ، وقد ذهب جمع من أهل العلم إلى كُفْره بذلك ،
لقول النبي صلى الله عليه وسلم :
« العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ؛ فمن تركها فقد كفر » .
ولقوله صلى الله عليه وسلم :
« رأس الأمر الإسلام ، وعموده الصلاة ،
وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله » .
وإن شق عليه فعل كل صلاة في وقتها فله الجمع بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء ، جمع تقديم أو جمع تأخير حسبما تيسر له ، إن شاء قدَّم العصر مع الظهر وإن شاء أخّر الظهر مع العصر ، وإن شاء قدَّم العشاء مع المغرب ، وإن شاء أخّر المغرب مع العشاء . أما الفجر فلا تجمع لما قبلها ولا لما بعدها ؛
لأن وقتها منفصل عما قبلها وعما بعدها .
هذا بعض ما يتعلق بأحوال المريض في طهارته وصلاته .
وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يشفي مرضى المسلمين ، ويكفر سيئاتهم ، وأن يمنَّ علينا جميعاً بالعفو والعافية في الدنيا والآخرة ؛ إنه جواد كريم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
فتاوى للمرضى والعاملين في المستشفيات
المقدمة
إن الحمد للّه نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعد :
فبين يديك أخي القارئ فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - والتي تتعلق بالمستشفيات وما فيها من المرضى والأطباء والممرضات ، والله أسأل أن ينفع بها المسلمين وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم ، إنه سميع مجيب . وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
معوض عائض اللحياني
مكة - مستشفى الملك عبد العزيز
في 20 / 1 / 1413 هـ
القسم الأول (1)
س 1 : من المعلوم أن المريض بعد إجراء العملية يبقى مخدراً حتى يفيق وبعد ذلك يبقى متألماً عدة ساعات فهل يصلي قبل دخول العملية والوقت لم يحن بعد ، أم يؤخر الصلاة حتى يكون قادراً على أدائها بحضورٍ حسيِّ ولو تأخر ذلك يوماً فأكثر ؟
ج 1 : الواجب أوَّلاً على الطبيب أن ينظر في الأمر ؛ فإذا أمكن أن يتأخر بدء العلاج حتى يدخل الوقت مثل الظهر فيصلي المريض الظهر والعصر جميعاً إذا دخل وقت الظهر . . وهكذا في الليل يصلي المغرب والعشاء جميعاً إذا غابت الشمس قبل بدء العملية .
(1) هذه الفتاوى ألقيت في ختام محاضرة لسماحة الشيخ بعنوان : كلمة إلى الطبيب المسلم ، بمستشفى النور بمكة المكرمة عام 1410 هـ في شهر رجب .
أما إذا كان العلاج ضحى فإن المريض معذور ، فإذا أفاق قضى ما عليه ولو بعد يوم أو يومين ، متى أفاق قضى ما عليه والحمد لله ، ولا شيء عليه مثل النائم إذا أفاق وانتبه ورجع إليه وعيه صلى الأوقات التي فاتته على الترتيب يرتبها ظهراً ثم عصراً وهكذا حتى يقضي ما عليه ،
لقول النبي صلى الله عليه وسلم :
« من نام عن الصلاة أو نسيها فليصلِّها إذا ذكرها ،
لا كفارة لها إلا ذلك » -
متفق عليه -
والإغماء بسبب المرض أو العلاج حكمه حكم النوم إذا لم يطل ، فإن طال فوق ثلاثة أيام سقط عنه القضاء ، وصار في حكم المعتوه حتى يرجع إليه عقله فيبتدئ فعل الصلاة بعد رجوع عقله إليه
لقول النبي صلى الله عليه وسلم :
القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ ،
وعن الصغير حتى يبلغ ، وعن المجنون حتى يفيق .
ولم يذكر القضاء في حق الصغير والمجنون ، وإنما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم الأمر بالقضاء في حق النائم والناسي . والله ولي التوفيق
س 2 : لا أستطيع الوضوء بنفسي وليس عندي من يساعدني ؛ فهل أتيمم علماً أن المستشفى ينظف يوميَاَ الجدران والأرض والفرش ، فكيف أتيمم والحال ما ذكر ؟
ج 2 : إذا كان المريض ليس عنده من يوضئه ولا يستطيع أن يتوضأ بنفسه فإنه يتيمم
لقوله سبحانه :
{ وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ
مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا
صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ }
[ المائدة : 6 ]
والعاجز عن الماء والتيمم معذور ، وعليه أن يصلي في الوقت بغير وضوء ولا تيمم
لقوله سبحانه : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [ التغابن : 16 ] . ولقول النبي صلى الله عليه وسلم :
« ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم » . وقد صلى بعض الصحابة في بعض أسفار النبي صلى الله عليه وسلم بغير وضوء ولا تيمم ولم ينكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ، وذلك في السفر الذي ضاع فيه عقد عائشة ، وذهب بعض الصحابة يلتمسه بأمر النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجدوه ، وحضرت الصلاة بغير وضوء وكان التيمم لم يشرع ذلك الوقت ثم شرع بسبب هذه الحادثة . وهذا هو الواجب ، فإن المريض إذا لم يكن عنده قدرة على استعمال الماء وليس عنده من يوضئه فإنه يجب عليه التيمم بوجود تراب نظيف تحت السرير في إناء أو وعاء يتيمم منه ويكفي ذلك عن الوضوء ، ولا يجوز التساهل في هذا الأمر بل يجب على
جميع المستشفيات أن يهتموا بذلك
ويجب على المريض قبل الوضوء والتيمم أن يستنجي من الغائط والبول بالماء أو الاستجمار ولا يتعين الماء بل يجزئه أن يستنجي بمناديل طاهرة ونحوها كالحجر والتراب واللِّبن والخشب ونحو ذلك حتى يزيل الأذى ، والواجب ألا ينقص ذلك عن ثلاث مسحات ؛ فإن لم يحصل النقاء بذلك وجبت الزيادة حتى يحصل الإنقاء
لقول النبي صلى الله عليه وسلم : « من استجمر فليوتر »
ولما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم
« أنه نهى أن يستنجى بأقل من ثلاثة أحجار » ، « ونهى أن يستنجى بالعظم والروث ، وقال : " إنهما لا يطهران »
س 3 : إذا كان على إحدى يديَّ أو كلتيهما جبس أو بهما جروح يضرهما الماء ، فكيف التيمم ؛ وهل حد الوجه في التيمم مثله في الوضوء ?
ج 3 : نعم حد الوجه في التيمم كالوضوء ، يمسح وجهه بالتراب من أعلى الجبهة إلى اللحية ومن الأذن إلى الأذن ، ويمسح يديه ظاهرهما وباطنهما من مفصل الكف إلى أطراف الأصابع ، وإذا كان في يديه جبس أو جروح كفى المسح بالتراب على الجبس وعليهما إن كان بهما جروح . وإن كانت إحداهما سليمة والأخرى فيها جروح أو عليها جبس غسل السليمة ومسح بالماء على الجريحة ومسح على الجبس كما لو كان عليهما أو إحداهما جبيرة من خرق ونحوها . فإن كان يضره الماء أو كان الماء كير موجود أجزأه التيمم .
س 4 : هل يجوز أن تمرِّضنا امرأة ونحن رجال ، خاصةً مع وجود ممرضين من الرجال ؟
ج 4 : الواجب على المستشفيات جميعاً أن يكون الممرضون للرجال والممرضات للنساء . هذا الواجب ، كما أن يكون الأطباء للرجال والطبيبات للنساء إلا عند الضرورة القصوى إذا كان المرض لا يعرفه إلا الرجل فلا حرج أن يعالج المرأة لأجل الضرورة . وهكذا لو كان مرض الرجل لا يعرفه إلا امرأة فلا حرج في علاجها له وإلا فالواجب أن يكون الطبيب من الرجال للرجال والطبيبة من النساء للنساء ، هذا الواجب . وهكذا الممرضات والممرضون ، الممرض للرجال والممرضة للنساء ؛ حسماً لوسائل الفتنة وحذراً من الخلوة المحرمة .
س 5 : المريض المركب له كيس للبول كيف يصلي ؟ وكيف يتوضأ ؟
ج 5 : يصلي على حسب حاله مثل صاحب السلس ومثل المرأة المستحاضة ، يصلي المريض إذا دخل الوقت على حسب حاله ، ويتيمم إذا كان لا يستطيع استعمال الماء فإن كان يستطيع ذلك وجب عليه الوضوء بالماء
لقول الله عز وجل : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [ التغابن : 16 ] .
والخارج بعد ذلك لا يضره ، لكن لا يتوضأ إلا بعد دخول الوقت ، ويصلي ولو خرج الخارج ما دام في الوقت لأنه مضطر لهذا ، مثل صاحب السلس فإنه يصلي في الوقت ولو كان البول يخرج من ذكَره ؛ وهكذا المستحاضة تصلي في الوقت ولو خرج منها الدَمُ مدة طويلة فإنها تصلي على حسب حالها ، لكن لا يتوضأ من حَدَثُه دائم إلا إذا دخل الوقت ، « لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمستحاضة :
توضأي لوقت كل صلاة »
فيصلي صاحب السلس والمستحاضة والمريض المسؤول عنه في الوقت جميعَ الصلوات من فرض ونفل ، ويقرأ القران من المصحف ويطوف بالكعبة من كان بمكة ما دام في الوقت ، فإذا خرج الوقت أمسك عن ذلك حتى يتوضأ للوقت الذي دخل . والله ولي التوفيق .
س 6 : من على لباسه بقُع دم هل يصلي بها أم ينتظر حتى يحضر له لباس نظيف ؟
ج 6 : يصلي على حسب حاله ، فلا يدع الصلاة حتى يخرج الوقت ؛ بل يصلي على حسب حاله إذا لم يمكنه غسلها ولا إبدالها بثياب طاهرة قبل خروج الوقت
لقول الله تعالى : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [ التغابن : 16 ] .
والواجب على المسلم أن يغسل ما به من الدم أو يبدل ثوبه النجس بثوب آخر طاهر إذا استطاع ذلك ، فإن لم يستطع صلى على حسب حاله ، ولا إعادة عليه للآية الكريمة ،
ولقوله صلى الله عليه وسلم :
« ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم » - متفق على صحته -
س 7 : بعض منسوبات المستشفى تكون أصواتهن مرتفعة عندما يتحدثن مع بعضهن أو مع زملائهن من الرجال وبعضهن يصافحن الرجال من أطباء وغيرهم ، فما حكم الشرع في ذلك ؟ وهل علينا إثم في السكوت ؟
ج 7 : الواجب على الأطباء والطبيبات أن يراعوا أحوال المرضى والمريضات وألا ترتفع أصواتهم عندهم بل يكون ذلك في محلات أخرى
أما المصافحة : فلا يجوز أن يصافح الرجل المرأة إلا إذا كانت من محارمه ، أما إذا كانت الطبيبة أو الممرضة ليست من محارمه فلا ؛
لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إني لا أصافح النساء . » وقالت عائشة رضي الله عنها :
« والله ما مسَّت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط ، ما كان يبايعهن إلا بالكلام عليه الصلاة والسلام . »
فالمرأة لا تصافح الرجل وهو غير محرم لها ، فلا تصافح الطبيب ولا المدير ولا المريض ولا غيرهم ممن ليس محرماً لها ؛ بل تكلمه بالكلام الطيب ، وتسلم عليه لكن بدون مصافحة ، وبدون تكشف ، فتستر رأسها وبدنها ووجهها ولو بالنقاب لأن المرأة عورة وفتنة
والله جل وعلا يقول :
{ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ
وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ }
[ الأحزاب : 53 ] .
ويقول سبحانه :
{ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ } [ النور : 31 ] . والرأس والوجه من أعظم الزينة ، وهكذا ما يكون في يديها أو رجليها من الحلي أو الخضاب فكله فتنة للآيتين المذكورتين . والمقصود أنها كلها عورة فالواجب عليها التستر والبُعد عن
أسباب الفتنة . ومن أسباب الفتنة المصافحة .
س 8 : بعض منسوبات المستشفى من طبيبات أو ممرضات أو عاملات نظافة يلبسن لباساً ضيقاً ويكشفن عن نحورهن وسواعدهن وسيقانهن ، ما حكم الشرع في ذلك ؟
ج 8 : الواجب على الطبيبات وغيرهن من ممرضات وعاملات أن يتقين الله تعالى وأن يلبسن لباساً محتشماً لا يبين معه حجمِ أعضائهن أو عوراتهن ؛ بل يكون لباساً متوسطاَ - لا واسعاً ولا ضيقاً - ساتراً لهن ستراً شرعيًّا ، مانعاً من أسباب الفتنة ، للآيتين الكريمتين المذكورتين في جواب السؤال السابع ،
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : « المرأة عورة »
وقوله صلى الله عليه وسلم :
« صنفان من أهل النار لم أرهما : رجال بأيديهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة ، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا . »
- رواه مسلم في صحيحه - ،
وهذا وعيد عظيم ، أما الرجال الذين بأيديهم سياط فهؤلاء هم الذين يوكَل إليهم أمر الناس فيضربونهم بغير حق من شرطة أو جنود أو غيرهم ، فالواجب ألا يضربوا الناس إلا بحق . أما النساء الكاسيات العاريات فهن اللاتي يلبسن كسوة لا تسترهن إما لقصرها وإما لرقتها ، فهن كاسيات بالاسم عاريات في الحقيقة ، مثل أن يكشفن رؤوسهن أو صدورهن أو سيقانهن أو غير ذلك من أبدانهن وكل هذا نوع من العُريّ ، فالواجب تقوى الله
في ذلك والحذر من هذا العمل السيئ ، وأن تكون المرأة مستورة بعيدة عن أسباب الفتنة عند الرجال ، وشرع لها ذلك بين النساء ؛ تكون لابسة لباس حشمة حتى يقتدى بها بين النساء ، والواجب تقوى الله على الطبيب والطبيبة والمريض والمريضة ، والممرض والممرضة لا بد من تقوى الله في حق الجميع ، كما أن الواجب على الطبيبات والممرضات تقوى الله في ذلك وأن يكن محتشمات متسترات بعيدات عن أسباب الفتنة . والله الهادي إلى سواء السبيل .
س 9 : بعض غرف المرضى بها تليفزيون ؛ بعضهم يريد ذلك والبعض الآخر لا يريد ذلك لما يسببه من مضايقات وتشويش على بعضهم . فماذا نفعل والحال على ما ذكر ؟
ج 9 : ينبغي في مثل هذا إذا كان المريض في حجرة ومعه مرضى آخرون لا يرضون التلفاز ألاَّ يجُعل عندهم التلفاز ، جمعاً للقلوب وحسماً للفتنة . وإذا رغبوا فيه جميعاً فلا مانع من ذلك بشرط ألا يشاهدوا فيه إلا ما ينفعهم من قرآن بصوت منخفض ، وتعليم علم وغير ذلك مما ينفعهم في دينهم ودنياهم ، ويغلق عما يضرهم من الأغاني والملاهي وما أشبه ذلك ، وإذا تركوه بالكلية فهو أحوط وأحسن وهم أعلم بمصالحهم وأنفسهم ، وأما أن يُلزموا بشيء يضرهم ويؤذيهم وربما شَغَلهم عن النوم والراحة ، وربما كان بعضهم سفيهاً لا يبالي بإخوانه المرضى فذلك لا يجوز . والواجب أن يكون تحت رقابة إنسان ثقة يتقي الله فيهم فلا يشغِّله إلا على ما ينفعهم برضاهم ، وإلا فليغلقه إذا لم يرضوا بذلك .
س 10 : ما حكم حفلات التوديع المختلطة من الجنسين ؛ وما حكم العلاج بالموسيقى ؟
ج 10 : الحفلات لا تكون بالاختلاط ، بل الواجب أن تكون حفلات الرجال للرجال وحدهم وحفلات النساء للنساء وحدهنَّ ، أما الاختلاط فهو منكر ومن عمل أهل الجاهلية ، نعوذ بالله من ذلك .
أما العلاج بالموسيقى فلا أصل له بل هو من عمل السفهاء ، فالموسيقى ليست بعلاج ولكنها داء ، وهي من آلات الملاهي ، فكلها مرض للقلوب وسبب لانحراف الأخلاق ، وإنما العلاج النافع والمريح للنفوس إسماع المرضى القرآن والمواعظ المفيدة والأحاديث النافعة ، أما العلاج بالموسيقى وغيرها من آلات الطرب فهو مما يعوِّدهم الباطل ويزيدهم مرضاً إلى مرضهم ، ويُقلُّ عليهم سماع القرآن والسنة والمواعظ المفيدة . ولا حول ولا قوة إلا بالله .
س 11 : هل إذا أفتى الطبيب للمريض بأي فتوى يأخذُ بها المريض أم لا بد من الرجوع إلى عالم في ذلك ؟
ج 11 : لا بد أن يراجع المريض العلماء فيما يقول له الأطباء من الأحكام الشرعية ، لأن الأطباء لهم شأنهم فيما يتعلق بعلمهم ، والعلم الشرعي له أهله ، فلا يعمل المريض بالفتوى إلا بعد مراجعة أهل العلم ولو بالتليفون أو يرسل أحداً يسأل له ، والطبيب وغيره لا يجوز له أن يفتي إلا عن علم . كأن يقول : سألت العالم الفلاني عن كذا وكذا فأجابني بكذا وكذا ، فالطبيب يسأل العلماء في أي مكان وفي أي مستشفى وفي أي بلاد عليه أن يسأل علماء البلاد وقضاتها عما أشكل عليه حتى يفتي به المرضى ، فالطبيب عليه أن يسأل وليس له أن يفتي بغير علم ، لأنه ليس من أهل العلم الشرعي ، وإنما عليه أن يخبر عما يتعلق بالطب ويتحرى في ذلك وينصح .
س 12 : أنا ممرض وأعمل في تمريض الرجال ومعي ممرضة تعمل في نفس القسم في وقت ما بعد الدوام الرسمي ويستمر ذلك حتى الفجر وربما حصل بيننا خلوة كاملة ونحن نخاف على أنفسنا من الفتنة ولا نستطيع أن نغير من هذا الوضع ، فهل نترك الوظيفة مخافة الله وليس لنا وظيفة أخرى للرزق ؟ نرجو توجيهنا بما ترون .
ج 12 : لا يجوز للمسؤولين عن المستشفيات أن يجعلوا ممرضَاَ