الاعجاز فى القران قال تعالى "مرج البحرين يلتقيان
قال تعالى
"مرج البحرين يلتقيان * بينهما برزخ لايبغيان"
سبحان الله تعالى تأملوا جيدا في هذه الصوره
وهي نقطة التقاء النيل الابيض بالنيل الازرق
"فسبحان الله عما يشركون"
لقد
اكتشف العلماء في الأربعينات من القرن العشرين
أن البحار المالحة بحار
مختلفة من حيث الترتيب والخصائص،
ولم يكن ذلك إلا بعد أن أقام الباحثون
المحطات البحرية لتحليل عينات من مياه البحار.
فقاسوا الفروقات في درجة
الحرارة ونسبة الملوحة ومقدار الكثافة
ومقدار ذوبان الأكسجين في مياه
البحار في كل المحيطات فأدركوا أن البحار
مختلفة، ثم توصل العلماء إلى
اكتشاف الحواجز (البرازخ) المائية وهي على نوعين:
النوع الأول: الحاجز بين بحرين مالحين:
"لقد
اكتشفت الدراسات الحديثة أن البحار رغم
أنها تبدو متجانسة إلا أن هناك
فروقات كبيرة بين كتلها المائية وفي المناطق
التي يلتقي فيها بحرين مختلفين
يوجد حاجز بينهما. هذا الحاجز يفصل البحرين
بحيث أن كل بحر له حرارته
وملوحته وكثافته الخاصة به".
[أسس علم البحار، دايفس. صفحة 92-93].
فبين
مياه البحر الأبيض المتوسط الساخنة والمالحة
حواجز عند دخولها إلى المحيط
الأطلسي ذي المياه الباردة والأقل كثافة.
كما توجد مثل هذه الحواجز بين
مياه البحر الأحمر ومياه خليج عدن،
وهذا الذي وصل إليه العلم الحديث في هذا
القرن هو صريح البيان القرآني في سورة الرحمن
حيث قال تعالى:
{مرج البحرين يلتقيان}
فالقرآن يتحدث عن بحرين
مالحين مختلفين، والدليل على ذلك ما ذكره
علماء التفسير من أن لفظ "البحر" إذا أطلق
في القرآن دون تقييد فهو ماء
البحر المالح، ثم إنه لو كان البحران متشابهين لكانا بحراً واحداً وذلك
التفريق بينهما في اللفظ القرآني يدل دلالة علمية دقيقة على وجود اختلاف
بينهما مع كونهما مالحين.
والدليل الآخر الذي أشارت إليه الآية
القرآنية، أنها وصفت البحرين بأنه يخرج
منهما اللؤلؤ والمرجان، ولقد اكتشف
العلماء أن اللؤلؤ والمرجان يكونان فقط في
البحار المالحة ولا وجود لها في
المياه العذبة أو في مناطق امتزاج المياه العذبة مع البحار.
في عام
1942، أسفرت الدراسات العلمية لخصائص
البحار عن وجود حواجز مائية تفصل بين
البحار الملتقية وهذا ما أشار إليه تعالى بقوله:
{بينهما برزخ لا يبغيان}.
فـ "البرزخ": أي الحاجز، ويؤكد ذلك
قوله تعالى في آية أخرى
{وجعل بين
البحرين حاجزاً}. و "لا يبغيان": أي لا يبغي
ويطغى أحد البحرين على الآخر
فيغير خصائصه. كما تبيّن للعلماء وجود
اختلاط بين البحار المالحة رغم وجود
هذا الحاجز (البرزخ)، وهذا ما دل عليه
القرآن {مرج البحرين يلتقيان}،
فالمرج يعني الاختلاط، أو الذهاب والإياب
والاضطراب. لكن هذا الاختلاط يكون
بطيئاً بحيث يجعل القدر الذي يعبر من بحر
إلى بحر يتحول إلى خصائص البحر
الذي ينتقل إليه دون أن يؤثر على تلك الخصائص.
إذ أن هذه الحواجز تحافظ على
الخصائص المميزة لكل بحر من حيث الكثافة
والملوحة والأحياء المائية
والحرارة وقابلية ذوبان الأكسجين في الماء.
ثانياً: الحاجز بين نهر عذب وبين بحر مالح:
1- كيفية اللقاء بين ماء النهر وماء البحر (وماء المصب):
لقد شاهد الناس منذ القدم مياه النهر تصب في البحر، كما لاحظوا أنها تفقد بالتدريج لونها المميز وطعمها الخاص كلما تعمقت في البحر.
ولكن
مع تقدم الاكتشافات العلمية قام العلماء بدراسة
عينات من الماء حيث يلتقي
النهر بالبحر. فعملوا على قياس درجات الملوحة
والعذوبة بأجهزة دقيقة، وقياس
درجة الحرارة والكثافة، وجمع عينات من
الكائنات الحية ثم القيام بتصنيفها،
وتحديد أماكن وجودها، ودراسة قابليتها للعيش
في البيئات النهرية والبحرية،
ثم توصلوا إلى أن المياه تنقسم إلى ثلاثة أنواع هي:
أ- مياه الأنهار وهي شديدة العذوبة.
ب- مياه البحار وهي شديدة الملوحة.
ج-
مياه في منطقة المصب: مزيج من الملوحة
والعذوبة تفصل بين النهر والبحر،
فتزداد الملوحة كلما قربت من البحر،
وتزداد العذوبة كلما قربت من النهر.
وهذا ما قرره القرآن الكريم حيث وصف البحرين (العذب والمالح) بأوصاف لم يكتشفها العلماء إلا في القرون الأخيرة.
فماء
النهر وصفه بقوله "عذب فرات" والماء العذب
هو الماء غير المالح، والفرات:
أي شديد العذوبة وبهذا الوصف أي (الفرات) خرج
ماء المصب الذي يمكن أن يقال
عنه بأنه عذب إلا أنه ليس فراتاً.
أما ماء البحر فوصفه القرآن بأنه
مِلْح أجاج، فالماء المالح هو ماء البحر
وأجاج أي شديد الملوحة. وبالتالي
لا ينطبق الوصفان على ماء المصب.
أما ماء المصب: فهو مزيج بين ماء
النهر العذب الفرات وماء البحر المِلْح الأجاج،
ووصفه القرآن بقوله: {مرج
البحرين} –أي- (النهر والبحر).
2- الحاجز المائي المحيط بمنطقة المصب:
لاحظ
العلماء أيضاً وجود حاجز مائي يحيط بمنطقة
المصب ويحافظ على خصائصها
المميزة لها. بل إن ماء النهر وماء البحر لا
يلتقيان مباشرة في منطقة المصب
بالرغم من حركة المدّ والجزر وحالات الفيضان
والانحسار، وذلك لوجود الحاجز
المائي المحيط بمنطقة المصب الذي يفصل
بينهما دائماً. لكن في مقابل عدم
وجود لقاء مباشر بين النهر والبحر لاحظوا
وجود امتزاج بطيء مع وجود المنطقة
الفاصلة من مياه المصب، والحاجز المائي
الذي يحيط بها. وقد أشار القرآن
الكريم إلى وجود هذا الحاجز بقوله
{وجعل بينهما برزخاً}، والبرزخ كما قال
علماء التفسير هو حاجز يمنع كل واحد
منهما من إفساد الآخر، قال مجاهد:
يلتقيان فلا يختلطان.
3- منطقة المصب وخاصية الحجر (المنع):
لاحظ
العلماء اختلاف الكتل المائية الثلاث
(ماء النهر، ماء البحر، ماء المصب)
في درجة الملوحة والعذوبة، ووجدوا أن
معظم الكائنات التي تعيش في البحر
والنهر والمصب تموت إذا خرجت من بيئتها
الخاصة بها، فما يعيش في النهر لا
يعيش في البحر أو في المصب، وهكذا...
ثم قاموا بتصنيف البيئات
الثلاث (النهر والبحر والمصب) باعتبار الكائنات
التي تعيش فيها، فوجدوا أن
منطقة المصب تعد منطقة حجر على معظم
الكائنات الحية التي تعيش فيها، فهي لا
تعيش إلا في وسط مائي يتناسب في ملوحته
وعذوبته مع درجة الضغط الأسموزي
فيها، وتموت إذا خرجت من منطقة المصب.
وبالمقابل فإن منطقة المصب
تعد أيضاً منطقة محجورة عن معظم الكائنات
الحية التي تعيش في البحر والنهر،
لأن هذه الكائنات تموت إذا دخلتها وذلك بسبب
اختلاف الضغط الأسموزي أيضاً،
والعجيب أن القرآن الكريم وصف منطقة
المصب بهذين الوصفين فقال {حجراً
محجوراً}، ونستطيع أن نفهم الحجر هنا في
ضوء الاكتشافات الحديثة بأن
الكائنات الحية في منطقة المصب تعيش في
حجر ضيق ممنوعة من أن تخرج من هذا
الحجر. كما وصفت منطقة المصب أيضاً بأنها
محجورة أي ممنوعة عن كائنات حية
أخرى من أن تدخل إليها فمنطقة المصب حسب
الوصف القرآني هي "حجر" على
الكائنات التي فيها، و"محجورة" عن
الكائنات الحية الموجودة خارجها.
والذي
نستخلصه أن العلماء لاحظوا الفرق الجوهري
الذي أشار إليه القرآن الكريم
بين الحاجز الذي يفصل بين النهر والبحر وبين الذي يفصل بين البحار المالحة.
فالأول:
منطقة المصب فيه تعد منطقة حجر على
الكائنات الحية الخاصة بها ومنطقة
محجورة عن الكائنات الخاصة بالبحر والنهر،
وهو ما وصفه البيان الإلهي في
سورة الفرقان حيث قال:
{وجعل بينهما برزخاً وحجراً محجوراً}.
أما
الحاجز الثاني: الذي يفصل بين البحار
المالحة فإنه لا توجد فيه خاصية منع
الكائنات الحية من الخروج أو الدخول إليه،
وهذا هو الذي تحدثت عنه آيات
سورة الرحمن فقال جل ذكره:
{بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ *
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ
وَالْمَرْجَانُ}
فليس هناك وصف "حجراً محجوراً"
لهذا البرزخ، فنجد معظم
الكائنات الحية تنتقل بين البحرين بكل
سهولة وذلك لأن الاختلاف في درجة
الملوحة ليس شديداً حتى يمنع انتقالها
من بيئة بحرية إلى أخرى.
وهنا
يقف عقل الإنسان متعجباً أمام بيان الإعجاز القرآني وأمام هذا النظام
البديع الذي جعله الله تعالى لحفظ الكتل المائية
الملتقية من أن يفسد بعضها
خصائص البعض الآخر...
{وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها}.
وجه
الإعجاز في الآيات القرآنية الكريمة هو دلالتها
على وجود حواجز بين البحار
المالحة يسمح باختلاط بطيء، بحيث تفقد
كمية المياه المنطلقة من بحر لآخر
خصائصها وتكتسب خصائص البحر الذي دخلت
فيه. كما دلّت على أن البحار
والأنهار تلتقي وتتمازج مع وجود حاجز يمنع
الاختلاط الكامل بينهما، وهذا ما
كشف عنه علماء البحار في القرن العشرين
عن منطقة المصبّ بين النهر والبحر
والحواجز البحرية بين بحرين مختلفين.