المبحث الرابع : الناسخ والمنسوخ
أولاُ : معنى النسخ في اللغة :
جاء النسخ في لسان العرب على معان ثلاثة هي :-
النقل والكتابة : ومثاله قولنا : (نسخت الكتاب) إذا نقلت ما فيه إلى غيره بدليل قوله تعالى : )إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ(أي أن نستنسخ ما تكتب الحفظة فيثبت عند الله .
2- التبديل والتغير : تقول العرب : (نسخ الشيء بالشيء) بمعنى استبدال الشيء بشيء آخر ، والدليل على ذلك قوله تعالى : )وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ (.
3- الرفع والإزالة : تقول العرب : (نسخت الشمسُ الظلَّ وانتسخته) أزالته والمعنى أذهبت الظل وحلت محله ، و (نسخت الرياح آثار الديار) غيرتها ، ويؤيد ذلك قوله تعالى : )مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا( .
ثانياً : النسخ في الاصطلاح :
"هو رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي آخر متأخر عنه في نفس الموضوع".
وعرفه الراغب في مفرداته : بأنه إزالة الحكم بحكم يتعقبه .
وعرفـه ابن الحاجـب : بأنه رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي آخر عنه .
ثالثاً : شروط النسخ :
يتضح من خلال معرفة معنى النسخ أن هناك شروطاً يجب مراعاتها عند النسخ هي :-
1- أن يكون الناسخ حكماً شرعياً ومتراخياً عن المنسوخ .
2- أن يكون المنسوخ حكماً شرعياً .
3- أن يكون بين الناسخ والمنسوخ تعارضاً ولا يمكن الجمع بينهما .
4- قال العلماء أن النسخ لا يقع إلا في الأوامر والنواهي ، ولا يتعلق بالعقيدة أو بذكر صفـات الله واليوم الآخر وأصول العبادات والمعاملات .
رابعاً : طريقة معرفة النسخ :
يعرف الناسخ والمنسوخ بطريقين همها :-
1- النقل الصريح عن الرسول أو عن الصحابي الذي اشتُهر بالتفسير ، فقد ذكر السيوطي عن ابن الحصار قال : "إنما يرجع في النسخ على نقل صريح عن رسـول الله أو عن صحابي يقول آية كذا نسخت كذا" ، ويؤيد هذا قول الرسول : "كنت نهيتكم من زيارة القبور ألا فزوروها" وما ورد عن الصحابي يجب أن يفيد سبق أحد النصين المتعارضين على الآخر أو التراخي عنه ، كأن يقول : نزلت هذه الآية بعد تلك الآية أو نزلت هذه الآية قبل تلك الآية ، أو يقول هذا عام كذا ،
وكان معروفـاً سـبق الآية التي تعارضها أو كان معروفاً تأخرها عنها ... .
2- أن ينعقد إجماع من الأمة في أي عصر من عصورها على تعيين المتقدم من النصين والمتأخر .
3- لا يعتمد في معرفة الناسخ والمنسوخ على الاجتهـاد من غيـر سند ، ولا يعتمد أيضاً على قول المفسر هذا ناسخ أو منسوخ من غيـر دليـل ، لأن كلامه ليس بدليل.
خامساً : أنواع النسخ في القرآن الكريم :
النسخ في القرآن الكريم على ثلاثة أنواع وهي كالآتي :-
النوع الأول : نسخ الحكم والتلاوة :
بمعنى نسخ لفظ الآية والحكم الذي تدل عليه ومثاله ما ورد في صحيح مسلم وغيره عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : "كان فيما أُنزلَ من القرآن عشرُ رضعاتٍ معلوماتٍ يُحرِّمْنَ ، ثم نُسِخْنَ بخمسٍِ معلوماتٍ ، وتُوفّي رسول الله وهن فيما يقرأ من القرآن" .
الحديث صحيح وهو في حكم المرفوع إلى النبي مع وقوفه على عائشة لأن هذا الموضوع لا يقال فيه بالرأي وإنما يلزمه التوقيف إلى رسول الله .
وأما قولها أن النبي توفي وهن فيما يقرأ من القرآن فيعني أن التلاوة نسخت ولم يبلغ ذلك النسخ كل الناس إلا بعد وفاة رسول الله حيث
توفي وبعض الناس يقرأ بها أي بمعنى أنه لم يصله خبر نسخها .
النوع الثاني : نسخ الحكم وبقاء التلاوة :
وهذا النوع يعنـي بقـاء لفظ الآية في المصحف ويعتبر من ضمن ما يتلى من القرآن أما الذي تتضمنـه هذه الآية فقد رفع العمل به لنزول نص آخر نسخ العمل بالأول . ومثاله قوله تعالى :)وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ( . نسخت بقوله تعالى : :)وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً( . فالآية الأولى أوضحت حكم العدة عند المرأة المتوفى عنها زوجها مرتبط بعام كامل ، وهذا نسخ بالآية الثانية التي أوضحت أربعة أشهر وعشراً مع بقاء تلاوة الآية المنسوخة .
ومثاله قوله تعالى : )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَة( نسخت بالآية التاليـة لهـا وهي قوله تعالى : )أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَـاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكـُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُـولَهُ وَاللَّهُ خَبِيـرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ( .
فالآية الأولى المنسوخة تضمنت وجوب تقديم الصدقة عند مناجاته والانفراد معه في الحديث ، ونسخ هذا الحكم بالنص الثاني الذي جاء فيه التخفيف عن الأمة في هذا الجانب .
النوع الثالث : نسخ التلاوة وبقاء الحكم :
وهذا النوع يعني أن لفظ الآية ينسخ من القرآن ويبقى العمل بحكمها كما كان سابقاً واستدلوا على ذلك بما روي عن عمر بن الخطاب وأبي بن كعب أنهما قالا : "كان فيما أنزل من القرآن الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البته نكالاً من الله والله عزيز حكيم" . فقد نسخت هذه الآية وبقي حكم الرجم على المحصن الزاني معمولاً به .
سادساً : الحكمة من النسخ في القرآن :
1- مراعاة مصالح الناس : فحينما ينسخ الحكم الذي لا يصلح استمرار العمل به ويُستبدل بحكم آخر صالح يُحقق مصلحة أبناء المجتمع الإسلامي فهذا برهان قاطع على أن الله سبحانه وتعالى يريد الخير للناس وما ينفعهم في هذه الحياة .
2- تطور التشريع ووصله إلى مرحلة الكمال : يعلم الله بما يتحمله الناس في كل مرحلة من مراحل حياتهم فكان ينزل من الآيات ما يتناسب مع نفوسهم وحياتهم فقد جاءت آيات بشأن الخمر انتهت بتحريمه مع بقاء الآيات المنسوخات في الكتاب ليعطينا صورة عن تدرج التشريع في اقتلاع هذه العادة الاجتماعية السيئة بمسايرة سهلة واستجابة كاملة للعلاج وقناعه بالنتيجة لدى أبناء المجتمع الإسلامي .
3- ابتلاء المكلف واختباره بالامتثال لأمر الله أو عدمه ، فالمؤمن يقول سمعاً وطاعة لما جاء من عند الله سواء كان النسخ من الخفيف إلى الثقيل أو العكس ولا يجادل بل يلتزم ويعمل بالحكم الأخير وبذلك يكون له الأجر على الطاعة بعكس الإنسان الغير مؤمن فقد يجادل ويقع في الضلال . إرادة الخير لأبناء المجتمع والتيسير عليهم : إذا كان النسخ من الخفيف إلى الثقيل فإن فيه زيادة في الثواب والأجر عند الله وإن كان من الثقيل على الخفيف ففيه السهولة واليسر بالأمة .
المبحث الخامس : جمع القرآن الكريم
المطلب الأول : جمع القرآن في عهد الرسول :
يطلق جمع القرآن ويراد به معنيين :-
1- جمع القرآن : بمعنى حفظه في الصدور :
عني الرسول بالقرآن عناية شديدة ، فقد كان القرآن ينزل على النبي ويحفظه ويبلغه للناس ويأمر كتّاب الوحي بكتابته ، ويدلهم على موضع المكتوب من سورته ، فيقول لهم : "ضعوا هذه السورة بجانب تلك السورة ، وضعوا هذه الآيات بإزاء تلك الآيات" ومن شدة حرص الرسول على حفظ القرآن كان يحرك لسـانه بالقـرآن عنـد نزوله ، يقول تعالى : )لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَه( وكان يعارض جبريل بالقرآن الكريم مرة في شهر رمضان من كل عام ، فلما كان العام الذي قبض فيه عارضه به مرتين ولم ينتقل الرسول إلى الرفيق الأعلى إلا والقرآن كله مكتوباً في العصر النبوي ، لذلك نجد أن الرسول الكريم اتخذ كُتَّاباً يكتبون ما ينزل من القرآن أولاً بأول ، والدليل على ذلك ما روي عن أنس – رضي الله عنه
– قال : "جمـع القرآن على عهد النبي أئمة كلهم من الأنصار أُبَي ومعاذ ابن جبـل ، وأبو زيد وزيد بن ثابت ، قلت لأنس : مَن أبو زيد ؟ قال : أحد
عمومتي وغيرهم" .
أما الصحابة الكرام فقد اشتد تنافسهم على حفظ القرآن الكريم ، وتسابقوا إلى مدارسته وتفسيره والعمل به ، فكانوا لا يتجاوزون العشر آيات حتى يحفظوها ويعملوا بها ، فكانوا رهباناً بالليل ، فرساناً بالنهار ، يؤثرون قيـام الليل تهجداً بالقرآن ، حتى يُسمع لبيوتهم دويٌ كدوي النحل ، يقول تعالى : )كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ( وقال لعبد الله بن مسعود – رضي الله عنه - : "اقرأ عليّ القرآن ، فقال ابن مسعود : يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل ؟ قال : إني أحب أن أسمعه من غيري ، فقرأ عليه سورة النساء حتى إذا بلغ قوله تعالى : )فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً قال : حسبك الآن ، قال ابن مسعود : فالتفت فإذا عيناه تذرفان" .
2- جمع القرآن بمعنى كتابته :
اتخذ النبي كُتَّاباً للوحي ، منهم الخلفاء الأربعة ، وزيد بن ثابت وأُبَي بن كعب وغيرهم ، على الرغم من أن أدوات الكتابة كانت قليلة ، فكانوا يكتبون حسبما تتوفر لديهم ، فمن هذه الوسائل :-
1- العَسب : جمع عسيب ، وهو جريد النخيل العريضة .
2- اللُخاف : جمع لَخفة بفتح اللام وسكون الخاء ، وهي حجارة رقاق .
3- الرِّقاع : جمع رقعة ، وقد تكون من جلد أو غيره .
الأكتاف : جمع كتف ، وهو عظم عريض في كتف الحيوان ، فقد كانوا يكتبون عليه بعد أن يجف .
5- الأقتاب : وهي الخشبة التي توضع على ظهر البعير ومفردها قتب .
ويتضح مما سبق أن القرآن الكريم كان قد أخذ حظه من العناية حفظاً وكتابة ، ولم ينتقل الرسول الكريم إلى الرفيق الأعلى إلا وقد حفظ القرآن في الصدور وفي السطور .
ثانياً : مميزات جمع القرآن في عهد النبي :
1- كان القرآن الكريم مكتوباً بالأحرف السبعة التي تنزل بها على قلب النبي ، قال : "إن هذا القرآن نزل على سبعة أحرف فاقرأوا ما تيسر منه" .
2- كان القرآن مرتب الآيات غير مرتب السور ، بمعنى أن السور لم تكن مرتبة بعضها إثر بعض .
3- لم يكن القرآن في عهد النبي مجموعاً في مصحف واحد ، بل كان مفرقاً في الرقاع وعلى الأكتاف ، ولكن كل سورة مجموعة في مكان مستقل .
4- بعض الآيات التي كُتبت في عهد النبي ثم نُسخت تلاوتها بقيت مكتوبة حتى توفي رسول الله وهي تُقرأ من القرآن.
ثالثاً : العوامل التي ساعدت الصحابة في حفظ القرآن :
رسوخ العقيدة في قلوبهم وحبهم لله ولرسوله وحبهم لكتاب الله جعلهم يقبلون على حفظ القرآن في الصدور التي كانت مفعمة بالإيمان نتيجة الاعتقاد السليم .
2- كانوا أميين لا يعرفون القراءة والكتابة إلا قليل منهم مما جعلهم يعولون على الذاكرة وقوة الحفظ .
3- الأسلوب البليغ الذي امتاز به القرآن جعلهم يتذوقون كلام الله ويقبلون على حفظه .
4- قوة الحافظة التي امتازوا بها وسيلان الذهن حيث إنهم كانوا يحفظون التاريخ والأشعار .
5- النصوص الواردة في القرآن والتي تحث على حفظه وترهب من نسيانه أو هجره .
6- فرضية قراءته في الصلاة والتهجد به في الليل وهم أهل لذلك .
كل هذه العوامل مجتمعة دفعتهم لحفظ القرآن الكريم حتى حفظه عدد كبير ، فقد قتل سبعون من حفظة القرآن في بئر معونة وقتل أكثر من ذلك في معركة اليمامة مما يدل على كثرة العدد الذي حفظ القرآن في عهد الصحابة رضي الله عنهم .
المطلب الثاني: جمع القرآن في عهد أبي بكر رضي الله عنه :
أولاً : الباعث على الجمع في عهد أبي بكر – رضي الله عنه - :
بعد أن تولى أبو بكر الخلافة واجه أحداثاً شداداً ، ومشاكل صعاباً ، منها موقعة اليمامة التي كانت سنة اثنتي عشر للهجرة ، وفيها دارت رحى الحرب بين المسلمين والمرتدين من أتباع مسيلمة الكذاب ، استُشهد فيها كثير من قراء الصحابة وحفظتهم للقرآن ، حتى وصل العدد إلى السبعين ، من
أجلِّهم : سالم مولى أبي حذيفة ، وقد عزَّ ذلك على عمر – رضي الله عنه – فدخل على أبي بكر واقترح عليه أن يجمع القرآن خشية الضياع بموت الحفاظ وقتل القراء ، فتردد أبو بكر – رضي الله عنه – أول الأمر ، وبعد مراجعـة عمر – رضي الله عنه – شرح الله صدر أبي بكر – رضي الله عنه – فأمر بجمع القرآن ، وانتدب جماعـة من الصحـابة وعلى رأسهم زيد بن ثابت الأنصاري ، وذلك لمكانته ولشهوده العَرضة الأخيـرة ، ولحفظة القرآن ، ولأنه كان من كتاب الوحي ، وكان معروفاً بورعه وخصوبة عقله ويؤيد هذا القول أنه عندما كلف أبو بكر زيداً بجمع القرآن قال : "فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليّ مما أمرني به من جمع القرآن" وقال : "فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللحاف وصدور الرجال" .
ثانياً : دستور أبي بكر – رضي الله عنه – في كتابة (جمع) المصحف :
انتهج زيد في جمعه للقرآن طريقة دقيقة محكمة ، وضعها له أبو بكر وعمر – رضي الله عنهما – تعتمد على مصدرين :-
المصدر الأول : ما كتب بين يدي رسول الله وبلغ من مبالغته في الحيطة والحذر أنه لم يقبل شيئاً من المكتوب حتى يشهد شاهدان عدلان أنه كتب بين يدي رسول الله ويدل على ذلك ما أخرجه أبو داود أن أبا بكر قال لعمر ولزيد : "اقعدا على باب المسجد ، فمن جاء بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه" .
المصدر الثاني : ما كان محفوظاً في صدور الرجال : والدليل على ذلك ما أخرجه أبو داود عن طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال : "قدم عمر فقال : من كان تلقى من رسول الله شيئاً من القرآن فليأت به ، وكانوا يكتبون ذلك في الصحف والألواح والعسب ، وكان لا يقبل من أحد شيئاً حتى
يشهد شاهدان" والمراد بالشاهدين الحفظ والكتابة .
وقال السيوطي : المراد بالشاهدين أنهما يشهدان على ذلك مما عُرض على النبي عام وفاته .
قـال علي – كـرم الله وجهه – أعظم الناس في المصاحف أجراً أبو بكر – رحمة الله علـى أبي بكـر – هـو أول من جمع كتاب الله ومن أدلـة اتباع زيد لهذا النهج أيضاً قوله إنـه لـم يجد آخر سورة براءة )لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسـُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ( إلا مع أبي خزيمة الأنصاري مكتوبة ، ومع أن زيداً كان يحفظها وكان كثير من الصحابة يحفظونها ، ولكنه أراد أن يجمع بين الحفظ والكتابة زيادة في التوثيق ، فعاضد حفظها في صدور الصحابة مع المكتوب عند أبي خزيمة ، فأخذ حكم المتواتر ، وقيل إن الرسول أوصى بشهادة أبي خزيمة ، لذا فأخذ حكم المتواتر .
ثالثاً : مميزات الجمع في عهد الصديق – رضي الله عنه - :
أ- امتاز هذا الجمع بالدقة واتباع أصول التثبت العلمي ، حيث لم يقبل إلا ما تواتر عنه على أنه قرآن .
ب- اقتصر فيه على ما لم تُنسخ تلاوته .
ج- هذا الجمع كان شاملاً للأحرف السبعة التي نزل بها القرآن تيسيراً على الأمة الإسلامية .
د- كان مرتب الآيات غير مرتب السور وذلك لأن كل سورة بذاتها في صحيفة .
المطلب الثالث : جمع القرآن في عهد عثمان – رضي الله عنه
أولاً : السبب الذي دعا عثمان – رضي الله عنه – إلى جمع القرآن الكريم :
اتسعت الفتوحات في زمن عثمان رضي الله عنه وتفرق المسلمون في الأمصار ، وطال عهد الناس بالرسول والوحي ، وكان أهل كل إقليم يأخذون بقراءة من اشتُهر بينهم من الصحابة ، فأهل الشام يقرؤون بقراءة أُبي بن كعب ، وأهل الكوفة يقرؤون بقراءة عبد الله بن مسعود ، فكان بينهم اختلاف في حروف الأداء ووجوه القراءة ، وهذا ما أدى إلى فتح باب الشقاق والنزاع في قراءة القرآن وكادت تكون فتنة في الأرض وفساد كبير .