انتصار الروم البيزنطيين
غلبت الروم في أدنى الأرض
قال الله تعالى في كتابه العزيز: :
( الم {1} غُلِبَتِ الرُّومُ {2} فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ {3} فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ {4} بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ {5} وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ {6}
(سورة الروم).
تمهيد:
كانت الإمبراطورية الفارسية تقع شرقي الجزيرة العربية، على الساحل الآخر للخليج العربي، على حين كانت الإمبراطورية الرومانية تمتد عن غربي الجزيرة على ساحل البحر الأحمر إلى ما فوق البحر الأسود.
وقد سميت الأولى ـ أيضاً ـ بالإمبراطورية الساسانية، والأخرى بالبيزنطية.
وكانت حدود الإمبراطوريتين تصل إلى الفرات ودجلة، في شمال الجزيرة العربية. وكانتا أقوى حكومتين شهدهما ذلك العصر.
ويبدأ تاريخ الإمبراطورية الرومانية ـ كما يرى المؤرخ " جبن " ـ في القرن الثاني بعد الميلاد، وكانت تتمتع حينئذ بمكانتها كأرقى دولة حضارية في العالم.
وقد شغل المؤرخين تاريخ زوال الروم، كما لم يشغلهم زوال أية حضارة أخرى(1).
وليس يغني كتاب من الكتب التي ألفت حول هذا الموضوع عن الكتب الأخرى، ولكن يمكن اعتبار كتاب المؤرخ " أدوارد جبن"،
" تاريخ سقوط وانحداد الإمبراطورية الرومانية" (2)أكثرهم تفصيلاً وثقة، وقد ذكر المؤرخ في الجزء الخامس
من كتابه الوقائع المتعلقة ببحثنا هنا.
اعتنق الملك " قسطنطين " الدين المسيحي عام 325م، وجعله ديانة البلاد الرسمية، فآمنت بها أكثرية رعايا الروم. وعلى الجانب الآخر، رفض الفرس ـ عباد الشمس ـ هذه الدعوة.
وكان الملك الذي تولى زمام الإمبراطورية الرومانية في أواخر القرن السابع الميلادي هو "موريس"، وكان ملكاً غافلاً عن شؤون البلاد والسياسة، ولذلك قاد جيشه ثورة ضده، بقيادة " فوكاس Phocas"" .
وأصبح فوكاس ملك الروم، بعد نجاح الثورة، والقضاء على العائلة الملكية بطريقة وحشية، وأرسل سفيراً له إلى إمبراطور إيران " كسرى أبرويز الثاني " وهو ابن " أنوشيروان " العادل.
وكان " كسرى " هذا مخلصاً للملك " موريس"، إذ كان قد لجأ إليه عام 590ـ 591م، بسبب مؤامرة داخلية في الأمبراطورية الفارسية، وقد عاونه " موريس" بجنوده لإستعادة العرش. ومما يروى أيضاً أن " كسرى " تزوج بنت " موريس"، أثناء إقامته ببلاد الروم، ولذلك كان يدعوه " بالأب" .
ولما عرف بأخبار انقلاب الروم، غضب غضباً شديداً، وأمر بسجن السفير الرومي، وأعلن عدم اعترافه بشرعية حكومة الروم الجديدة.
وأغار " كسرى أبرويز" على بلاد الروم، وزحفت جحافله عابرة نهر الفرات إلى الشام. ولم يتمكن " فوكاس" من مقاومة جيوش الفرس التي استولت على مدينتي " انطاكية والقدس"، فاتسعت حدود الإمبراطورية كالنسطورية، واليعقوبية ـ حاقدة على النظام الجديد في روما، فناصرت الفاتحين الجدد، وتبعها اليهود،
مما سهل غلبة الفرس.
وأرسل بعض أعيان الروم رسالة سرية إلى الحاكم الرومي في المستعمرات الإفريقية يناشدونه إنقاذ الإمبراطورية، فأرسل الحاكم جيشاً كبيراً بقيادة ابنه الشاب " هرقل " فسار بجيشه في الطريق البحرية، بسرية تامة .. حتى إن " فوكاس" لم يدر بمجيئهم إلا عندما شاهد الأساطيل وهي تقترب من السواحل الرومانية، واستطاع هرقل ـ دون مقاومة تذكر أن يستولي على الإمبراطورية،
وقتل " فوكاس" الخائن.
بيد أن هرقل لم يتمكن، برغم استيلائه على الإمبراطورية، وقتله " فوكاس" من إيقاف طوفان الفرس.. فضاع من الروم كل ما ملكوا من البلاد في شرقي العاصمة، وجنوبيها. لم يعد العلم الصليبي يرفرف على العراق، والشام، وفلسطين، ومصر، وآسيا الصغرى، بل علتها راية الفرس: " درفش كاوياني " !!!
وتقلصت الإمبراطورية الرومانية في عاصمتها، وسدت جميع الطرق في حصار اقتصادي قاس، وعم القحط، وفشت الأمراض الوبائية، ولم يبق من الإمبراطورية، غير جذور شجرها العملاق. وكان الشعب في العاصمة خائفاً يترقب ضرب الفرس للعاصمة، ودخولهم فيها، وترتب على ذلك أن أغلقت جميع الأسواق، وكسدت التجارة، وتحولت معاهد العلم، والثقافة إلى مقابر موحشة مهجورة
وبدأ عباد النار يستبدون بالرعايا الروم للقضاء على المسيحية..
فبدأوا يسخرون علانية من الشعائر الدينية المقدسة، ودمروا الكنائس، وأراقوا دماء ما يقرب من 100.000من المسيحيين المسالمين. وأقاموا بيوت عبادة النار في كل مكان، وأرغموا الناس على عبادة الشمس والنار، واغتصبوا الصليب المقدس، وأرسلوه إلى " المدائن" .
ويقول المؤرخ " جبن" في المجلد الخامس من كتابه:
" ولو كانت نوايا " كسرى " طيبة في حقيقة الأمر، لكان اصطلح مع الروم بعد قتلهم "فوكاس"، ولاستقبل " هرقل " كخير صديق أخذ بثأر حليفه، وصاحب نعمته " موريس"، بأحسن طريقة، ولكنه أبان عن نواياه الحقيقة عندما قرر مواصلة الحرب " (3).
ويمكن قياس الهوة الكبرى التي حدثت بين الروم والفرس من خطاب وجهه " كسرى" إلى " هرقل" من بيت المقدس، قائلاً :
" من لدن الإله كسرى، الذي هو أكبر الآلهة، وملك الأرض كلها، إلى عبده اللئيم الغافل هرقل: إنك تقول: إنك تثق في إلهك! فلماذا لا ينقذ إلهك القدس من يدي!؟
واستبد اليأس، والقنوط بهرقل من هذه الأحوال السيئة، وقرر العودة إلى قصره الواقع في " قرطاجنة" على الساحل الإفريقي.. فلم يعد يهمه أن يدافع عن الإمبراطورية، بل كان شغله الشاغل إنقاذ نفسه.. وأرسلت السفن الملكية إلى البحر، وخرج " هرقل" في طريقه ليستقل إحدى هذه السفن إلى منفاه الاختياري.
وفي هذه الساعة الحرجة تحايل كبير الأساقفة الروم باسم الدين والمسيح، ونجح في إقناع " هرقل" بالبقاء، وذهب " هرقل" مع الأسقف إلى قربان" سانت صوفيا " يعاهد الله تعالى على أنه لن يعيش أو يموت إلا مع الشعب الذي أختاره الله له .
وبإشارة من الجنرال الإيراني سين (Sain) أرسل (هرقل) سفيراً إلى " كسرى " طالباً منه الصلح، ولكن لم يكد القاصد الرومي يصل إلى القصر، حتى صاح "كسرى" في غضب شديد: " لا أريد هذا القاصد! حتى يهجر إلهه، الصليبي، ويعبد الشمس ألهتنا " (4).
وبعد مضي ستة أعوام على الحرب، رضي الإمبراطور الفارسي أن يصالح هرقل على شروط معينة هي أن يدفع ملك الروم " ألف تالنت (5) من الذهب، وألف تالنت من الفضة، وألف ثوب (6)من الحرير، وألف جواد، وألف فتاة عذاراء" .
ويصف " جبن " هذه الشروط بأنها " مخزية" دون شك، وكان من الممكن أن يقبلها " هرقل" لولا المدة القصيرة التي أتيحت له لدفعها من المملكة المنهوبة، والمحدودة الأرجاء، ولذلك آثر أن يستعمل هذه الثورة كمحاولة أخيرة، ضد أعدائه.
وبينما سيطرت على العاصمتين الفارسية، والرومية هذه الأحداث، فقد سيطرت على شعب العاصمة المركزية في شبه الجزيرة العربية ـ وهي " مكة " المكرمة ـ مشكلة مماثلة : كان الفرس مجوساً من عباد الشمس والنار، وكان الروم من المؤمنين بالمسيح، وبالوحي، وبالرسالة، وبالله تعالى. وكان المسلمون مع الروم ـ نفسياً ـ يرجون غلبهم على الكفار، والمشركين، كما كان كفار مكة مع الفرس، لكونهم من عباد المظاهر المادية. وأصبح الصراع بين الفرس، والروم رمزاً خارجياً للصراع الذي كان يدور بين أهل الإسلام وأهل الشرك في " مكة" وبطريقة نفسية كانت كل من الجماعتين تشعر بأن نتيجة هذا الصراع الخارجي هي نفس مآل صراعهما الداخلي. فلما انتصر الفرس على الروم قرب البحر الميت عام 616م، واستولوا على جميع المناطق الشرقية من دولة الروم، انتهزها المشركون فرصة للسخرية من المسلمين، قائلين: لقد غلب إخواننا على إخوانكم، وكذلك سوف نقضي عليكم، إذا لم تصطلحوا معنا تاركين دينكم الجديد!! وكان المسلمون بمكة في أضعفن وأسوأ أحوالهم المادية، وفي تلك الحالة البائسة، صدرت كلمات من
لسان الرسول صلى ا لله عليه وسلم :
بسم الله الرحمن الرحيم : :
( الم {1} غُلِبَتِ الرُّومُ {2} فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ {3} فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ {4} بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ {5} وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ {6}(سورة الروم).
وتعليقاً على هذه النبوة يكتب " جبن" :
" في ذلك الوقت، حين تنبأ القرآن بهذه النبوة، لم تكن أية نبوءة أبعد منها وقوعاً، لأن السنين الإثنتي عشرة الأولى من حكومة " هرقل " كانت تؤذن بانتهاء الإمبراطورية الرومانية " (7).
ولكن من المعلوم أن هذه النبوة جاءت من لدن من هو مهيمن على كل الوسائل : والأحوال، ومن بيده قلوب الناس، وأقدارهم، ولم يكد يبشر بهذه البشرى، حتى أخذ انقلاب يظهر على شاشة الإمبراطورية الرومانية.
ويرويه " جبن " على النحو التالي :
" إنها من أبرز البطولات التاريخية، تلك التي نراها في " هرقل" فقد ظهر هذا الإمبراطور غاية في الكسل، والتمتع بالملذات، وعبادة الأوهام في السنين الأولى، والأخيرة من حكومته، كان يبدو كما لو كان متفرجاً أبله، استسلم لمصائب شعبه، ولكن الضباب الذي يسود السماء ساعتي الصباح، والمساء، يغيب حيناً من الوقت لشدة الشمس الظهيرة، وهذا هو ما حدث بالنسبة إلى هرقل، فقد تحول " أرقاديوس(8) القصور" إلى " قيصر ميدان الحرب (9)"فجأة، واستطاع أن يستعيد مجد الروم خلال ست حروب شجاعة شنها ضد الفرس وكان من واجب المؤرخين الروم أين يزيحوا الستار عن الحقيقة، تبياناً لأسرار هذه اليقظة، والنوم. وبعد هذه القرون التي مضت يمكننا الحكم بأنه لم تكن هناك دوافع سياسية وراء هذه البطولة، بل كانت نتيجة غريزة هرقل الذاتية، فقد انقطع عن كافة الملذات، حتى أنه هجر ابنة أخته " مارتينا " التي تزوجها لشدة هيامه بها، رغم أنها كانت محرمة عليه " (10).
هرقل ذلك الغافل الفاقد العزيمة ـ وضع خطة عظيمة لقهر الفرس، وبدأ في تجهيز العدة، والعتاد، ولكن رغم ذلك كله، عندما خرج هرقل مع جنوده بدا لكثيرين من سكان "القسطنطينية" أنهم يرون آخر جيش في تاريخ الإمبراطورية البيزنطية.
وكان هرقل يعرف أن قوة الفرس البحرية ضعيفة، ولذلك أعد بحريته للإغارة على الفرس من الخلف. وسار بجيوشه عن طريق البحر الأسود إلى " أرمينيا "، وشن على الفرس هجوماً مفاجئاً في نفس الميدان الذي هزم فيه الإسكندر جيوش الفرس، لما زحف على أراضي مصر والشام، ولم يستطع الفرس مقاومة هذه الغارة المفاجئة، فلاذوا بالفرار.
وكان الفرس يملكون جيشاً كبيراً في " آسيا الصغرى"، ولكن " هرقل" فاجأهم بأساطيله مرة أخرى، وأنزل بهم هزيمة فادحة، بعد إحراز هذا النصر الكبير عاد " هرقل" إلى عاصمته " القسطنطينية " عن طريق البحر، وعقد معاهدة مع الأفاريين (Avars)، واستطاع بنصرتهم أن يسد سيل الفرس عند عاصمتهم.
وبعد الحربين اللتين مر ذكرهما شن هرقل ثلاث حروب أخرى ضد الفرس في سنوات 623، 624، 625م. واستطاع أن ينفذ إلى أراضي العراق القديم(ميسو بوتانيا) عن طريق البحر الأسود، وأضطر الفرس إلى الانسحاب من جميع الأراضي الرومية، نتيجة هذه الحروبن وأصبح " هرقل " في مركز يسمح له بالتوغل في قلب الإمبراطورية الفارسية، وكانت آخر هذه الحروب المصيرية ـ تلك الحروب التي خاضها الفريقان في " نينوا" على ضفاف " دجلة " في ديسمبر عام 627م.
ولما لم يستطيع " كسرى أبرويز" مقاومة سيل الروم، حاول الفرار من قصره الحبيب "دستكرد" ولكن ثورة داخلية نشبت في الإمبراطورية، واعتقله ابنه " شيرويه"، وزج به في سجن داخل القصر الملكي، حيث لقي حتفه، لسوء الأحوال في اليوم الخامس من اعتقاله، وقد قتل ابنه " شيرويه " ثماني عشرة من أبناء أبيه " كسرى" أمام عينيه .
ولكن " شيرويه" هو الآخر لم يستطع أن يجلس على العرش أكثر من ثمانية أشهر، حيث قتله أحد أشقائه، وهكذا بدأ القتال داخل البيت الملكي، وتولى تسعة ملوك زمام ملوك الحكم في غضون أربعة أعوام. ولم يكن من الممكن، أو المعقول في هذه الأحوال السيئة، أن يواصل الفرس حربهم ضد الروم...
فأرسل " قباد الثاني" ابن كسرى أبرويز الثاني يرجو الصلح، وأعلن تنازله عن الأراضي الرومية، كما أعاد الصليب المقدس، ورجع " هرقل" إلى عاصمته " القسطنطينية " في مارس عام 628م، في احتفال رائع، حيث كان يجر مركبته أربعة أفيال، وأستقبله آلاف مؤلفة من الجماهير، خارج العاصمة، وفي أيديهم المشاعل، وأغصان الزيتون(11)!!
وهكذا صدق ما تنبأ به القرآن الكريم عن غلبة الروم في مدته المقررة، أي في أقل من عشر سنين، كما هو المراد في لغة العرب من كلمة : " بضع " !
وقد أبدى " جبن " حيرته، وإعجابه بهذه النبوءة، ولكنه كي يقلل من أهميتها ربطها برسالة النبي صلى الله عليه وسلم إلى " كسرى" .
يقول جبن :
" وعندما أتم الإمبراطور الفارسي نصره على الروم، وصلته رسالة من مواطن خامل الذكر من "مكة" دعاه إلى الإيمان بمحمد، رسول الله، ولكنه رفض هذه الدعوة، ومزق الرسالة..
وعندما بلغ هذا الخبر رسول العرب، قال : سوف يمزق الله دولته تمزيقاً، وسوف يقضي على قوته".
" ومحمد الذي جلس في الشرق على حاشية الإمبراطوريتين العظيمتين، طار فرحاً، مما سمع عن تصارع الإمبراطوريتين وقتالهما، وجرؤ في إبّان الفتوحات الفارسية وبلوغها القمة أن يتنبأ بأن الغلبة تكون لراية الروم بعد بضع سنين، وفي ذلك الوقت، حين ساق الرجل هذه النبوءة، لم تكون أية نبوءة أبعد منها وقوعاً، لأن الأعوام الإثني عشر الأولى من حكومة هرقل كانت تشي بنهاية الإمبراطورية الرومانية " (12).
بيد أن جميع مؤرخي الإسلام يعرفون معرفة تامة أن هذه النبوءة لا علاقة لها بالرسالة التي وجهها النبي إلى " كسرى أبرويز"، لأن تلك الرسالة إنما أرسلت في العام السابع من الهجرة، بعد صلح الحديبية، أي عام 628م، في حين أن آية النبوءة المذكورة نزلت بمكة عام 616م، أي قبل الهجرة بوقت طويل، فين الحدثين فاصل يبلغ اثني عشر عاماً (13).
أما وجه الإعجاز:
تنبأ القرآن بهزيمة الفرس على أيدي الروم
في بضع سنين وقد كان.
كما أنه هناك وجه إعجازي آخر في هذه الآيات، وهي أنها تقرر حقيقة جغرافية لم تكن معروفة عند أحد في ذلك الوقت.
فالآية الثالثة من سورة الروم خسروا المعركة في أدنى الأرض
قال تعالى:
(غُلِبَتِ الرُّومُ {2} فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ {3} فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ).
و تعبير " أدنى الأرض" في العربية يعني حسب بعض التفاسير مكاناً قريباً، ولكن هذا التفسير مجازي، لأن كلمة أدنى لم تأتي في هذه الآية بهذا المعنى فكلمة أدنى باللغة العربية مشتقة من دنا يدنو بمعنى القريبة، وتأتي بمعنى المنخفض، والأرض تعني العالم. و لذلك فإن أدنى الأرض معناها أكثر الأمكنة انخفاضاً في العالم .
و المثير للاهتمام أن أهم مراحل الحرب التي كانت بين الروم والفرس وأسفرت عن هزيمة الروم وخسارتهم للقدس، حصلت في أكثر مناطق العالم انخفاضاً في حوض البحر الميت الذي يقع في منطقة تتقاطع فيها كل من سوريا و الأردن و فلسطين و يبلغ مستوى سطح الأرض هنا 395 متراً تحت سطح البحر ، مما يجعل هذه المنطقة فعلاً أدنى منطقة من الأرض .
و أهم ما في الأمر أن ارتفاع البحر الميت لم يكن ليقاس في غياب تقنيات القياس الحديثة، ولذلك كان من المستحيل أن يعرف أي شخص في ذلك الوقت أن هذه المنطقة أكثر المناطق انخفاضاً في العالم، ومع ذلك فإن هذه الحقيقة ذكرت في القرآن و هذا يؤكد مرة أخرى على أن القرآن هو وحي إلهي .
تنبيه :
تم نقل القسم الأول من المقالة عن كتاب شبهات حول القرآن وتفنيدها تأليف الدكتور غازي عناية ولكن بتصرف.
القسم الثاني عن كتاب هارون يحيى معجزة القرآن .
مقالات ذات صلة :
الرد على منكري الإعجاز في سورة الروم
بقلم المهندس عبد الدائم الكحيل
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]الهوامش :
1.Western Civilization,p.210
2.The history of decline and fall of the Roman Empire ,by Empire ,by Edward Gibbon
3.(ص ـ 76ـ ج 5)
4.Talent ميزان يوناني قديم، حوالي ستة وعشرين كيلوا جراماً، لدى الأثينيين وقد يطلق على كمية النقود الذهبية أو الفضية التي تزنه.
5.الثوب : ثلاثون متراً من القماش تقريباُ .
6.ص ـ 74 المجلد 5.
7.أرقاديوس (377ـ 408م )، أحد أباطرة الرومان، وهو الابن الأكبر لتيودوس الأول تولى العرش سنة 395م ، وأشتهر بالجبن ـ المراجع .
8.قيصر أو " سيزار " (144ـ 101 ق.م) قائد وسياسي روسي عظيم.
9.ص ـ 76 ـ 77 المجلد الخامس .
10. جبن : ص ـ 94 ، ج ـ 53
11. المرجع السابق ، ص 73 ـ 74
Encyclopaedia of Religion and Ethics