السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شيخي الجليل لقد خرج الكثير من الناس يقولون على جواز الخروج على الحاكم استناد لهذا الحديث سيد الشهداء حمزة , (ورجل قام إلى إمام جائر , فأمره ونهاه فقتله) فهل هذا استدلال صحيح؟ وكيف نتعامل مع الحاكم وإن كان جائرا
وجزاكم الله خيرا ونفع بكم
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وجزاك الله خيرا
أولاً :
في هذا الحديث نصّ على أنه إمام !
لقوله عليه الصلاة والسلام : قام إلى إمام جائر .
ثانيا :
الذي في هذا الحديث النصّ على أنه أمَرَه أو نَهَاه ،
وليس فيه أنه خَرَج عليه وقاتَلَه .
ثالثا :
نَهَى النبي صلى الله عليه وسلم عن الخروج على أئمة الجور ،
بقوله عليه الصلاة والسلام :
مَن كَرِه من أميره شيئا فليصبر ،
فإنه مَن خَرج من السلطان شِبْرًا مَات ميتة جاهلية .
رواه البخاري ومسلم .
وأشار إليه عليه الصلاة والسلام بقوله لأصحابه :
سَتَرون بعدي أثَرَة ، فاصبروا حتى تلقوني .
رواه البخاري ومسلم .
رابعا :
ما خلّفه الخروج على أمراء الجور ،
مِن مثل : فتنة ابن الأشعث ، وغيرها .
ولذلك فإن الحاكم إذا كان مُسلِمًا وظهر منه جور ،
فإنه لا يجوز الخروج عليه عند جمهور أهل العلم .
أما الحاكم الذي ظهر مِن كُفر بواح ،
أو كان كافِرًا مِن الأصل ،
فهذا يجوز الخروج عليه ،
ولا يجب إلاّ بِشوكة ووجُود أهل الحلّ والعقد .
قال الجد ابن تيمية : وَعَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْبَكَّاءِ قَالَ :
أَدْرَكْتُ عَشَرَةً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كُلُّهُمْ يُصَلِّي خَلْفَ أَئِمَّةِ الْجَوْرِ .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ .
وقال شيخ الإسلام :
فصل : وأما الصلاة خلف أهل الأهواء والبدع وخلف أهل الفجور ، ففيه نزاع مشهور وتفصيل ليس هذا موضع بسطه ؛ لكن أوسط الأقوال في هؤلاء أن تقديم الواحد من هؤلاء في الإمامة لا يجوز مع القدرة على غيره . فإن من كان مُظْهِرًا للفجور أو البِدع يجب الإنكار عليه ، ونهيه عن ذلك ، وأقل مراتب الإنكار هجره لينتهي عن فجوره وبدعته ؛ ولهذا فرق جمهور الأئمة بين الداعية وغير الداعية ، فإن الداعية أظهر الْمُنْكَر فاسْتَحَقّ الإنكار عليه بخلاف الساكت فإنه بِمَنْزِلة مَن أسرّ بالذنب ، فهذا لا يُنْكَر عليه في الظاهر ، فإن الخطيئة إذا خَفِيت لم تَضُرّ إلاَّ صاحبها ، ولكن إذا أُعْلِنت فلم تُنْكَر ضَرّت العامة ؛ ولهذا كان المنافقون تُقْبَل منهم علانيتهم وتُوكَل سرائرهم إلى الله تعالى بخلاف مَن أظهر الكفر . فإذا كان داعية مُنِع مِن ولايته وإمامته وشهادته وروايته ، لِمَا في ذلك من النهي عن المنكر لا لأجل فساد الصلاة ، أو اتهامه في شهادته وروايته ، فإذا أمكن لإنسان ألاَّ يُقدِّم مُظْهِرًا للمُنكَر في الإمامة وجب ذلك . لكن إذا ولاَّه غيره ولم يمكنه صَرْفه عن الإمامة أو كان هو لا يتمكن مِن صَرْفه إلاَّ بِشَرّ أعظم ضررًا مِن ضرر ما أظهره مِن المنكَر ، فلا يجوز دفع الفساد القليل بالفساد الكثير ولا دفع أخف الضررين بتحصيل أعظم الضررين ، فإن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها بحسب الإمكان . ومطلوبها ترجيح خَير الخيرين إذا لم يمكن أن يجتمعا جميعا ، ودفع شَرّ الشَّرَّين إذا لم يندفعا جميعا . فإذا لم يمكن منع المظهر للبدعة والفجور إلاَّ بِضَرر زائد على ضرر إمامته لم يجز ذلك بل يُصلي خلفه ما لا يمكنه فعلها إلاَّ خلفه كالجمع والأعياد والجماعة . إذا لم يكن هناك إمام غيره ، ولهذا كان الصحابة يُصَلُّون خَلف الحجاج والمختار بن أبي عبيد الثقفي وغيرهما الجمعة والجماعة ، فإنّ تفويت الجمعة والجماعة أعظم فسادًا مِن الاقتداء فيهما بإمام فاجر لا سيما إذا كان التخلّف عنهما لا يدفع فُجوره ، فيبقى تَرْك المصلحة الشرعية بدون دفع تلك المفسَدَة . ولهذا كان التاركون للجمعة والجماعات خلف أئمة الجور مُطْلَقًا مَعدُودين عند السلف والأئمة مِن أهل البدع . وأما إذا أمكن فعل الجمعة والجماعة خَلْف البَرّ فهو أولى مِن فعلها خلف الفاجر . وحينئذ فإذا صَلّى خلف الفاجر مِن غير عُذر فهو موضع اجتهاد للعلماء .
والله تعالى أعلم