كان زوجها على علاقة محرَّمة مع امرأة ثم تزوجها وتسأل مسائل متعددة
السؤال:
أكتب لك رسالتي هذه من بلاد الغربة من ” لندن ” , حيث قدمت مع زوجي وأولادي الخمسة – اثنان منهم مع أزواجهم , حيث تسهلت لهم فرصة إكمال دراستهم العليا في الخارج – ووجد زوجي الأكاديمي فرصة عمل في ” لندن ” فانتقلنا جميعنا على أن نكون مع أولادنا في هذه الفترة الدراسية التي مضت منها سنة .
الذي حدث – وأريد من فضيلتكم الرد عليه بشيء من التفصيل – هو أنه في ظروف الغربة والشعور بالضعف والخوف ، وضرورة وجود رب الأسرة دائما قريباً من الأولاد موجهاً معيناً على الدراسة بتهيئة جو أسري مريح , ومع مدى انشغاله بالعمل – فهو يخرج التاسعة ويعود السادسة ـ أو أكثر احياناً – فقد أقدم على الزواج من أخرى تدرس الدكتوراه في نفس البلد , هذه الأخرى له قصة معها , حيث كان على علاقة بها واتصال دام ثلاث سنوات , هذه العلاقة والاتصال بشتى أنواعه بنيت على أنه طلبها من والدها ، ووافق أهلها وهم على علم أنه يتحدث معها ، وكنت أخوفه بالله لكنه كان يبرر موقفه على أنه سوف يتزوجها ، وهي الآن تدرس في ” لندن ” حيث انتقلت إلى هنا قبل مجيئنا بسنة أو أكثر .
أسئلتي لفضيلتكم هي :
1. شعرتُ بالظلم أنه تزوج في بلد الغربة ونحن بهذه الظروف , فأيامنا التي يكون فيها عند الأخرى نشعر فيها بعدم الأمان ، فهل آثم عندما أقول له بأنك قد ظلمتنا بزواجك ؟ .
2. هو يبرر ذلك بأنه قضاء وقدر ، نعم ، آمنت بالله وأنه قضاء وقدر ، ولكني أقول له : إنك أنت الذي قدرته على نفسك لأنك مشيت بهذا الطريق وفتحت له أبوابك ، فهل أنا محقة أم هو؟
3. هل يجوز أن أطلب منه أن لا يذهب إليها إلا يوم أو يومين في الأسبوع حيث احتياجاتنا أكثر من احتياجاتها ؟ مع العلم أن أهلها وأخوانها يعيشون معها في نفس المكان .
4. هل يجوز لي أن أدعو الله بأن يصرفها عنَّا بما يشاء وكيف ما شاء , وأن أدعو الله عليها بعدم توفيقها مع زوجي ، لأني أشعر أنها خَدعت زوجي بكلامها فهي بنت وتصغره بعشرين سنة , وهو قد تجاوز الخمسين ؟ .
5. وأخيراً : إن لم يسمح لي الشرع بذلك , وشعرت أنني لا أطيق ولا أتحمل الوضع معه وأردت أن أعيش معه فقط لأجل أولادي هل أكون آثمة ؟ مع العلم أنه قال لي : افعلي الشيْء الذي يريحك .
واعذرني إذا عشت في هذا الوضع فقد انشغل في أمور الدنيا ومشاكلها , و أنا أريد أن انشغل بآخرتي فبماذا تنصحونني أثابكم الله ؟ .
الجواب :
الحمد لله
أولاً:
لا شك أن ما يحصل من هذه العلاقات المشار إليها ،
بين رجل وامرأة لا تحل له : هو من
المنكرات الظاهرة في الشرع ، والتي يترتب
عليها من المفاسد ما لا يخفى على أحد .
وقد أحسنتِ في نصحك لزوجك بترك تلك
العلاقة المحرمة ، ونرجو الله أن يكتب لك أجر
تلك النصيحة وذاك التخويف بالله تعالى .
ثانياً:
جواباً على أسئلتك نقول :
1. لا تكونين آثمة في قولك لزوجك " إنك ظلمتنا بزواجك "
إذا كان فعلاً يقع منه
الظلم تجاهك وتجاه أولاده ، كأن يبيت عند
الأخرى ما ليس لها به حق ، وكأن يقصِّر في
النفقة عليكم مع القدرة ، وكأن يفرِّط في
رعاية أولاده والعناية بهم ومتابعة أمور
دينهم واستقامتهم ، والواجب عليه – والحالة هذه –
أن يتقي الله تعالى ربَّه وأن
يرفع الظلم عمن ظلمهم ، وأولهم نفسه
حيث ظلمها بتعريضها لوعيد الله .
غير أننا ننبهك إلى أم مهم ، وهو أن الزواج
بامرأة أخرى ، وثالثة ، ورابعة ليس ظلما
في حد ذاته ، لا لزوجته الأولى ، ولا لأولاده
منها ؛ فمتى كان مؤديّاً ما افترض
الله عليه من العدل بينك وبين الأخرى في النفقة
والمبيت والسكنى ، وكان قائماً على
أولاده بالعناية والرعاية والمتابعة : فإنه لا
يكون واقعاً في الظلم . ومن كان ضبط
كلامك المتعلق بذلك مهمتك أنت ، حتى لا تقعي
في ظلمه والعدوان عليه ، في حين أنك
تظنين أنه هو الظالم لك !
2. الواقع أنه ليس هناك كبير فائدة الآن
في بحث مسألة القدر، وزواجه من الأخرى ؛
فكل مسلم يعلم أنه ما من شيء يحدث في
هذا الكون إلا بقضاء الله وقدره ، لكن ذلك لا
يعني أننا غير مسؤولين عن أفعالنا ،
خيرها وشرها ، لكن النظر المجدي الآن هو كيف
نتصرف مع هذا الأمر الواقع .
3. لا يجوز لك أن تطلبي من زوجك الذهاب
يوماً أو يومين فقط في الأسبوع لزوجته
الأخرى ، وأنت بذلك تقعين في الظلم لنفسك
وتسببينه له ، فكما كفل الله تعالى لك
حقوقك ، فكذلك الأمر بخصوص الزوجة
الأخرى ، ولا فرق ، والواجب على الزوج أن يقسم
أيام الأسبوع لكل زوجة بالتساوي وهو العدل
الذي أمره الله تعالى به ، ولا مانع من
الاتفاق على أيام مخصوصة يكون فيها عند أي
واحدة منكما ، ولا مانع أن تتنازل واحدة
منكما عن حقها في بعض أيامها ، لكنَّ ذلك
مشروط بأن يكون عن طيبِ نفسٍ منها ، لا
بالإكراه ، ولا بإخجال الطرف الآخر وإحراجه .
وينظر جواب السؤال رقم : (20455)
4. لا يجوز لك الدعاء على الزوجة الأخرى
بعدم التوفيق ؛ فهو دعاء بإثم لا يقبله
الله ، ويُخشى من رجوع أثره السيء عليكِ ،
فاحذري يا أمة الله من ظلم العباد
والعدوان عليهم ، لكن إن رأيتِ منها شرّاً
وسوءًا ، فلك أن تدعي الله تعالى أن
يكفَّ شرَّها وأذاها عنكِ وعن أولادك ، وليس
لك الدعاء بالمطلق أن يصرفها الله عنك
وأن لا يوفقها ، وأنتِ لم تري منها ظلماً
ولا سوءًا ، وأنتِ لا تعلمين الخير أين
يكون ، فقد كان في زواج زوجك منها توقف
عن ارتكابه لآثام ومعاصٍ متعددة ، وهذا خير
له ولها ، وقد ترين منها خيراً لك ولأولادك
فيما يأتي من قادم الأيام ، كأن تحتاجي
لوقوف أحد معك لمساعدتك في علاج أو ولادة ،
أو يحتاج أولادك لمن يرعاهم بغيابك عنهم
، وغير ذلك كثير مما نراه ونسمعه من حال
كثير من الأسر التي عدَّد فيها ربُّ الأسرة
فتزوج أكثر من واحدة .
ونرجو منك النظر في جواب السؤال رقم (71152 )
ففيه فوائد في هذه
المسألة .
5. لا ننصحك باتخاذ ذلك القرار الذي تودين
فيه التفرغ لأولادك دون أن تكوني زوجة
لزوجك ؛ لعدة أمور :
أ. أن هذا منافٍ للفطرة التي فطر الله عليها
النساء من وجود شهوة في نفسها ، ولا
تستطيع المرأة تصريفها إلا مع زوجها .
ب. أن هذا منافٍ للعشرة الحسنة التي
أمرك الله تعالى بها تجاه زوجك
ج. نرى تناقضاً في مواقفكِ عليك مراجعة نفسك
لأجلها ، فحين كان زوجك يرتكب المحرمات
في العلاقات قبل الزواج مع تلك المرأة لثلاث
سنوات لم نرَ موقفاً منك سوى النصح
والتخويف ، والآن عندما فعل الشيء الصواب
الحلال نرى موقفك الهجر والترك له ! وهذا
حال كثير من النساء اليوم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ،
تصبر الواحدة منهن على
علاقات زوجها المحرمة ، ولا تصبر على
زواجه في حلال الله . والمأمول منك أن تعيدي
النظر في ذلك ، لتعلمي أن الواجب هو العكس من ذلك .
د. ثم إنه لا يُدرى ما يكون من حال زواج
زوجك الثاني ، فقد تشوبه شوائب ولا يُكتب
له الاستمرار ، فيكون بُعدك عن زوجك تلك السنوات فيه صعوبة في الإصلاح بعدها .
هـ. ليس هناك تناقض بين تفرغك للآخرة
وقيامك على شئون أولادك ، وبين بقاؤك زوجة لها
كامل الحقوق وتعطي كامل الواجبات ، بل إن
غياب زوجك عنك عند زوجته الثانية يدع لك
الفرصة الكبيرة للتفرغ لشئون نفسك وطاعتك
وطلبك للعلم والتفرغ لأولادك ولبيتك ، فلا
تفتحي على الشيطان باباً ينفذ من خلاله
إلى قلبك وعقلك فيفسدهما عليك .
و. إن اتخاذ هذا القرار منك من شأنه أن
يؤثر سلباً على تربية أولادك – ذكوراً
وإناثاً – ويسبب لهم آثاراً سيئة مما سيرونه
من كثرة فقد أبيهم ، وسيؤثر قرارك عليك
أنت أيضاً لأنه سيجعلك تتحملين مسئولية
أكبر من ذي قبل تجاه أولادك .
فالذي نؤكد عليه : عدم اتخاذ هذا القرار ،
وأن تبقي زوجة صالحة ، تؤدين واجباتك
الزوجية ، وتعاشرين زوجك بالمعروف .
ثالثاً:
أما الحل الذي تقترحينه فهو جائز على الصحيح
ويسمَّى " الصلح " ، وهو خير من الطلاق
– ولا شك
منكِ هبة لأيامك للزوجة الأخرى ، والفرق
بين ما تقترحينه وبين ما نقترحه لك أنه في
حال الهبة يمكنك قطعها وعدم الاستمرار بها ،
وأما في حال اختيارك للصلح طريقاً فإنه
لن يمكنك التراجع عنه ، وهذا هو الفرق بين " الهبة " و " الصلح "
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – :
قوله " فإن رجعت قسم لها مستقبلاً " يعني :
بعد أن وهبت القَسْم له ، أو لزوجةٍ
أخرى فإن لها أن ترجع ، ويقسم لها في المستقبل ،
ولا يقضي ما مضى ، وهذا فائدة قوله
" مستقبلاً " .
فإن قال قائل : أليست الهبة تلزم بالقبض ؟ .
قلنا : بلى ، لكنهم قالوا : هنا ما حصل القبض ؛
لأن الأيام تتجدد يوماً بعد يوم ،
ولهذا قلنا : إنه يقسم لها مستقبلاً ولا ترجع
فيما مضى ، لأن الذي فات قد قُبض ،
والهبة بعد قبضها لا رجوع فيها ، أما ما
يستقبل فإنه لم يأتِ بعد فلها أن ترجع فيه
وهذا التعليل لما قاله المؤلف صحيح ،
لكن ينبغي أن يكون هذا مشروطاً بما إذا لم يكن
هناك صلح ، فإن كان هناك صلح : فينبغي أن لا تملك الرجوع ؛
لقوله تعالى
( وَإِنِ
امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاحَ
عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا )
النساء: 128 ،
والصلح لازم ،
وكيف الصلح ؟ كأن تشعر من هذا الرجل أنه
سيطلقها وخافت ، فقالت له : أنا أتفق معك
على أن أجعل يومي لفلانة ، وتبقيني في
حِبالك ، فوافق على هذا الصلح ، فصارت
المسألة معاقدة ، فإذا كانت معاقدة : فإنه
يجب أن تبقى وأن تلزم ، وإلا فلا فائدة
من الصلح ، وهذا الذي اختاره ابن القيم رحمه الله .
انتهى من" الشرح الممتع على زاد المستقنع " ( 12 / 436 ، 437 ) .
لكنا نعود فنذكرك بأن الذي نختاره لك ، ونصحك به : أن
تبقى الأمور على ما هي عليه ، وتمشي الحياة طبيعية بينكما :
( وَعَسَى أَنْ
تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ
شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ )
البقرة /216 .
نسأل الله تعالى أن يهديك لأحسن الأقوال والأفعال والأخلاق ،
وأن يثبتك على دينه ،
وأن ييسر لك الخير حيث كان ،
وأن يجمع بينك وبين زوجك وأولادك على خير .
والله أعلم