بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من فتاوي الصيام لفضيلة الشيخ عطية صقر
السؤال
طلع الفجر علىّ فى رمضان وأنا فى جنابة، ولم اغتسل إلا بعد ساعة. فهل صومى صحيح ؟
الجواب
الجنابة
إما حيض ونفاس ، وهى خاصة بالنساء ،
وإما بالاتصال الجنسى أو نزول المنى
فى اليقظة أو النوم بالاحتلام .
وهى مشتركة بين الرجال والنساء .
فإذا
طلع الفجر والحيض أو النفاس موجود حرم الصيام ،
ولو صامت المرأة فالصوم
باطل مع الإثم ، لكن لو انقطع الدم قبل
الفجر انقطاعا تاما ولم تغتسل إلا
بعد الفجر فالصوم صحيح . وذلك كالجنابة بشىء
آخر غير الحيض والنفاس .
فالصوم صحيح مع عدم الاغتسال ،
والاغتسال شرط للصلاة ولأمور أخرى وليس
للصيام ، فقد ثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم .
كان يصبح جنبا وهو صائم ،
يعنى يطلع الفجر وهو لم يغتسل بعد،
ثم يغتسل بسرعة ليصلى الصبح جماعة مع
الناس وذلك فيما رواه البخارى
ومسلم عن عائشة رضى الله عنها.
خطأ الظن فى عدم طلوع الفجر وغروب الشمس
السؤال
صحوت من النوم فظننت أن الفجر لم يطلع ،
فأكلت وشربت ، ثم تبين أن النهار
قد طلع فهل يصح صومى ؟
الجواب ذكر
ابن قدامة فى كتابه " المغنى "
أن من أكل يظن أن الفجر لم يطلع وقد كان
طلع أو أفطر يظن أن الشمس قد غابت
ولم تغب -أن عليه القضاء ، وذلك مع وجوب
الإِمساك على من أكل ظانا عدم طلوع الفجر ،
وقال ابن قدامة : إن هذا الحكم
هو قول أكثر أهل العلم ، ثم حكى عن بعض
التابعين أنه لا قضاء عليه ، وذكر
فى ذلك أثرا عن عمر رضى اللّه عنه ،
ولكن الرأىَ الأول هو المعول عليه ،
وذلك لحديث البخارى أنهم أمروا بقضاء يوم
أفطروا فيه لوجود غيم ثم طلعت
الشمس. هذا فى الظن - وهو إدراك الطرف الراجح -
أما الشك وهو إدراك الطرفين
على السواء ، والطرفان هما طلوع الفجر
وعدم طلوعه ، فقد قال فيه ابن قدامة
أيضا : وإن أكل شاكًّا فى طلوع الفجر
ولم يتبين الأمر فليس عليه قضاء ،
لأن المدار على تبين طلوع الفجر، قال تعالى
{وكلوا واشربو حتى يتبين لكم
الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر}
البقرة : 187 ، وقال : إن هذا هو
رأى الشافعى وأصحاب الرأى - الحنفية -
ولكن مالكا أوجب القضاء ، لأن الأصل
بقاء الصوم فى ذمته فلا يسقط بالشك ،
وذكر أن الأكل عند الشك فى غروب الشمس
ولم يتبين الامر يوجب القضاء .
فعلى صاحب السؤال أن يمسك بقية يومه ويقضى
هذا اليوم ، وهو الرأى المختار
السؤال يحدث
إذا كان المسافر بالطائرة صائما أن
وقت الغروب يحين حسب توقيت البلد الذى
سافر منه ، أو الذى يمر عليه فى الجو
ومع ذلك تكون الشمس ما زالت ظاهرة،
فهل يفطر وهى ما زالت لم تغرب ،
وإذا انتظر غروبها فقد يطول اليوم ويشق
عليه دوام الصيام ؟
الجواب
قال اللَّه تعالى
{ثم أتموا الصيام إلى الليل }
البقرة : 187 ، وروى البخارى
ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم كان فى سفر
مع أصحابه فى رمضان ، فلما
غربت الشمس طلب من بلال أن يعد طعام الإفطار،
فلما أعده شرب منه وقال مشيرا
بيده "إذا غابت الشمس من هاهنا،
وجاء الليل من هاهنا فقد أفطر الصائم " أى
حل له الفطر .
تدل الآية والحديث على أن الإفطار لا يحل للصائم إلا إذا
جاء الليل ، والليل يجىء إذا غربت الشمس .
فلو سافر صائم فى طائرة وكانت
على ارتفاع شاهق فإن المعروف أن الشمس
تغيب عن الأرض قبل غيابها عن ركاب
الطائرة ، وذلك بحكم كروية الأرض ،
وبهذا لا يجوز له أن يفطر ما دامت الشمس
ظاهرة له .
وقد يحدث أن يكون متجها إلى الشرق فيقصر النهار، أو يكون
متجها إلى الغرب فيطول النهار،
فالعبرة بمغيب الشمس عنه فى أى اتجاه ، ولا
عبرة بتوقيت المنطقة التى يمر عليها ،
ولا بتوقيت البلد الذى سافر منه .
فإن شق عليه الصيام لطول النهار فله
رخصة الإفطار للمشقة ، وإن لم يشق
عليه وآثر إتمام الصيام فلا يفطر حتى تغيب الشمس
السؤال في الحديث
" صوموا لرؤيته وافطروا لرويته "
هل يجوز أن تفسر الرؤية بالروية
العلمية لا البصرية حتى يمكن توحيد أوائل الشهور العربية ؟
الجواب
موضوع
توحيد بدء الصيام وبالتالي توحيد العيد
في البلاد الإسلامية، موضوع ناقشه
الفقهاء في القرون الأولى، كما ناقشه علماء
مجمع البحوث الإسلامية في
السنوات الأخيرة ، وهم جميعًا متفقون على
أنه لا تعارض بين الدين والعلم
أبدًا ، فالدين نفسه يدعو إلى العلم ،
وفي مسألتنا هذه علق الحديث الصوم
والإفطار على رؤية الهلال ، فإن لم تكن
الروية بالبصر لجأنا إلى العلم ،
والإرشاد إلى إكمال عدة شعبان ثلاثين يومًا
توجيه لاحترام الحساب الذي هو
مظهر من مظاهر العلم ، والراصدون للهلال
يستعينون بالمناظر وهي أدوات علمية
، كما يستعينون بمصلحة الأرصاد
في أجهزتها وإمكانات الأخرى .
والموضوع
له بحث طويل علمي وديني فى الجزء الثاني
من كتاب "بيان للناس من الأزهر
الشريف " أكتفى هنا بذكر أن مؤتمر مجمع البحوث
الثالث المنعقد سنة 1966 م
قرر بشأنه ما يأتي :
1 -أن الرؤية هي الأصل في معرفة دخول أي شهر قمري ،
كما يدل عليه الحديث الشريف ،
فالرؤية هي الأساس ؟ لكن لا يعتمد عليها إذا
تمكنت منها التهم تمكنًا قويًّا .
2 -يكون ثبوت رؤية الهلال بالتواتر
والاستفاضة ، كما يكون بخبر الواحد ذكرًا
كان أو اثنى إذا لم تتمكن التهمة
في إخباره بسبب من الأسباب ،
ومن هذه الأسباب مخالفة الحساب الفلكي الموثوق
به الصادر ممن يؤثق به .
3-خبر الواحد ملزم له ولمن يثق به ،
أما إلزام الكافة فلا يكون إلا بعد ثبوت الرؤية
عند من خصصته الدولة الإسلامية للنظر في ذلك .
4 -يعتمد على الحساب في إثبات دخول الشهر
إذا لم تتحقق الرؤية ولم يتيسر الوصول
إلى إتمام الشهر السابق ثلاثين يومًا .
5- يرى المؤتمر أنه لا عبرة باختلاف
المطالع وإن تباعدت الأقاليم متى كانت
مشتركة في جزء من ليلة الرؤية وإن قل ،
ويكون اختلاف المطالع معتبرًا بين
الأقاليم التي لا تشترك في جزء من هذه الليلة .
6 - يهيب المؤتمر
بالشعوب والحكومات الإسلامية أن يكون
في كل إقليم إسلامى هيئة إسلامية يناط
بها إثبات الشهور القمرية مع مراعاة اتصال
بعضها ببعض والاتصال بالمراصد
والفلكيين الموثوق بهم .
وبناء على هذه القرارات سار العمل في مصر
على إعلان مبدأ الصيام ونهايته
بعد الاتصال بالدول الأخرى .
هذا
وأود أن يتنبه المسلمون إلى أن هناك
عوامل أخرى لها أهميتها البالغة
وأثرها القوى في وحدة الأمة الإسلامية من
أهمها توحيد التشريع والقضاء
والنظم الدستورية والاقتصادية و الثقافية
على أساس من الدين الذي يدينون به
جميعًا ، فإن عدم توحيد هذه الأمور
وغيرها هو الذي باعد بين المسلمين
وجعلهم نهبًا لغيرهم من الدول ، وجعل
رابطتهم مفككة وصدق رسول اللَّه صلى
الله عليه وسلم فيما رواه البيهقى عنه إذ يقول
"ولا نقضوا عهد اللَّه وعهد
رسوله إلا سلط عليهم عدوًّا من غيرهم
فأخذ بعض ما في أيديهم ، وما لم يحكم
أئمتهم بكتاب اللَّه إلا جعل بأسهم بينهم "
السؤال
جاء فى بعض الأحاديث أن الشياطين تصفد فى رمضان ، فكيف يتفق هذا مع وقوع جرائم كثيرة فى رمضان من الصائمين وغير الصائمين ؟
الجواب
روى
البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال :
" إذا جاء رمضان فتحت
أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين "
وروى ابن خزيمة فى صحيحه
قوله صلى الله عليه وسلم
" إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين
مردة الجن . . . " .
إن الواقع يشهد بأن المعاصى ما تزال ترتكب فى رمضان
وغير رمضان ، ومن أجل التوفيق بين
الحديث الثابت وبين الواقع المشاهد قال
الشراح : إن المراد بتقييد الشياطين فى رمضان
عدم تسلطها على من يصومون
صوما صحيحا كاملا رُوعيت فيه كل
الآداب التى منها عفة اللسان والنظر
والجوارح كلها عن المعصية ،
استجابة للحديث الذى رواه البخارى :
" من لم يدع قول الزور والعمل به فليس
للَّه حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه " أو
المراد بالشياطين التى تصفد المردة والجبابرة
منهم كما فى رواية ابن خزيمة،
أما غيرهم فلا يقيدون ولذلك تقع من الناس
بعض المعاصى ، أو المراد أن
الشياطين كلها تُغَلُّ بمعنى يضعف نشاطها
ولا تكون بالقوة التى عليها بدون
أغلال وقيود ، أو المراد :
أن المعاصى التى تكون بسبب الشياطين تمنع ،
ولكن تقع المعاصى التى يكون سببها
النفوس الخبيثة الأمارة بالسوء أو
العادات القبيحة أو شياطين الإنس ،
ومن هنا نرى أن الحديث لا يصطدم مع
الواقع عند فهمه فهما صحيحا ،
وذلك ما نحب أن نلفت الأنظار إليه فى فهم
نصوص الدين حتى لا يكون هناك شك فى
الدين أو انحراف فى الفكر أو السلوك